السبت 17 محرم 1447 هـ – 12 تموز 2025
دمشق
Weather
°36.2

خدمة لأطراف خارجية.. قسد ترفض الحلول الوطنية وتتمسك بسياستها الإقصائية

The SDF is delaying the implementation of the agreement with the Syrian government

أبدت الحكومة السورية مجدداً استعدادها لاستيعاب قوات سوريا الديموقراطية “قسد” ضمن بنية الدولة السورية، لإعادة لمّ شمل سوريا واحدة بمحافظاتها وجغرافيتها ومؤسساتها المدنية والعسكرية.

وأكّد البيان الحكومي الصادر يوم الأربعاء 9 تموز الجاري، أنّ الباب لا يزال مفتوحاً أمام جميع الأطراف الراغبة في الانخراط الجاد ضمن مشروع الدولة الواحدة والجيش الواحد.

ورغم التوصل إلى اتفاق رسمي بين رئيس الجمهورية السيد أحمد الشرع وقائد “قسد” مظلوم عبدي، يقضي بخطوات متدرجة لإعادة دمج القوات والإدارات في شرق البلاد، إلا أن التنفيذ العملي للاتفاق ما يزال متعثراً نتيجة تراجع “قسد” عن التزاماتها، وتمسكها بمواقف سياسية وإدارية تتنافى مع روح الاتفاق الموقع ومضامينه الوطنية.

وتواجه “قسد” انتقادات واسعة من الأهالي والفعاليات الوطنية في شرق البلاد بسبب إدارتها المناطق الخاضعة لسيطرتها، والانتهاكات التي ترتكبها بحق المدنيين، إذ تنتهج سياسات تهميش واحتكار، إلى جانب فشلها في تقديم خدمات مستقرة أو إدارة شؤون السكان بشكل قانوني، ما خلق حالة من الانفصال الإداري والمعيشي عن بقية الجغرافيا السورية.

ويعاني سكان محافظات الحسكة والرقة ودير الزور من تبعات سياسات “قسد”، حيث تشهد هذه المناطق انقطاعاً في الخدمات الأساسية، وتدهوراً في الواقع الأمني، فضلاً عن التجنيد الإجباري والممارسات القمعية التي تطال الناشطين والمعارضين المحليين، ما يدفع شرائح واسعة من السكان إلى المطالبة بعودة مؤسسات الدولة كضامن وحيد للاستقرار والعدالة.

سلطة أمر واقع

تصدّر قوات سوريا الديموقراطية نفسها عقب مشاركتها إلى جانب قوات التحالف الدولي في محاربة تنظيم داعش على أنها الوصي على منطقة العمليات تلك، والتي تضم محافظات الحسكة ودير الزور والرقة.

وتدير قسد المحافظات السورية الثلاث بشكل تسلطي يفرض الأمر الواقع بقوة السلاح وأدلجة المجتمع بمفاهيم دخيلة مثل “الأمة الديمقراطية” و”الإسلام الديمقراطي”، وكلها مأخوذة من أدبيات عبدالله أوجلان، وفقاً لرؤية الباحث والكاتب في التاريخ الاجتماعي مهند الكاطع، مؤلف كتاب “أكراد سوريا” والذي ينحدر من مدينة القامشلي في ريف الحسكة.

وأضاف الكاطع في حديثه لموقع الإخبارية: “لا يمكن الحديث عن ديمقراطية حين يكون الطرف الذي يدّعيها هو ذاته الذي بدأ بوصفه ميليشيا مسلحة (YPG وYPJ) تابعة لحزب العمال الكردستاني المصنف إرهابياً والذي جلبه النظام البائد ووظفه لقمع الشعب السوري ثم أصبح سلطة أمر واقع”.

رفض الحلول الوطنية

ويؤكد الباحث والمحلل السياسي حمد الطلاع المنحدر من محافظة الحسكة رؤية الكاطع، وقال “من الطبيعي أن ترفض قسد جميع الحلول الوطنية، فهي في الأساس ليست تشكيلاً عسكرياً وطنياً سورياً، وقد تم تأسيس نواة هذه القوة في بدايات الثورة السورية، من قبل نظام الأسد البائد، بالاعتماد على حزب العمال الكردستاني، الذي لا يُعد حزباً سورياً، وإنما تنظيم تقوده مجموعة من الأكراد الأتراك والإيرانيين والعراقيين، ويُعد بطبيعته حزباً تركياً المنشأ والهوية”.

وأضاف الطلاع في حديثه لموقع الإخبارية: “أنشأ النظام البائد هذا التشكيل في الداخل السوري بالاستناد إلى الجناح السوري لحزب العمال الكردستاني، ولم تقتصر هذه النواة على الأكراد السوريين المرتبطين تنظيمياً بالحزب، بل جرى استقدام كوادر من خارج البلاد، من تركيا وإيران والعراق، ما يفسر رفض هذا التشكيل الانخراط في أي حل وطني، إذ يعتبر أن ما استولى عليه من الأراضي السورية هو حق اكتسبوه بالقوة، وأي اتفاق وطني قد يُفضي إلى إخراج الكوادر غير السورية من المشهد وخسارتها لمكاسبها”.

جيش واحد

أكد بيان الحكومة السورية الصادر يوم أمس الأربعاء أن الجيش السوري هو المؤسسة الوطنية الجامعة لكل أبناء الوطن، وأن الدولة ترحب بانضمام المقاتلين السوريين من “قسد” إلى صفوفه، ضمن الأطر الدستورية والقانونية المعتمدة.

وحول مطالبات قسد بالمشاركة في سوريا المستقبل بصفتها قوة عسكرية، قال الطلاع: “هذه المطالب غير واقعية ولا توجد حتى في أعتى الدول الفيدرالية، فسوريا بطبيعتها لا تحتمل مثل هذا النموذج، وما يجري طرحه لا يعدو كونه محاولة واضحة لتعطيل أي حل من شأنه أن يعيد للدولة السورية سيادتها الكاملة على الأرض”.

قرارات متخبطة

لا يخفى على أحد التناقض في قرارات قسد، فتارة هي مع حلّ نفسها ضمن وزارات ومؤسسات وإدارات الدولة السورية، وأخرى تطالب فيها بامتيازات أقرب للفيدرالية وتفرض نفسها ككيان مستقل يأبى إلا أن تظل هيكليته قائمة كما هي في الوقت الحالي.

وبحسب الكاتب والباحث مهند الكاطع، فإنّ “التناقض واضح في القرارات والتصريحات التي تصدّرها قيادة قسد، من جهة تدّعي “قسد” أنها تمثل مشروعاً ديمقراطياً تشاركياً، ومن جهة أخرى ترفض أي شراكة فعلية حتى مع الأحزاب الكردية”.

وتابع الكاطع: “التعطيل في الانضمام للدولة واضح للجميع، بل ترفع صور زعماء أجانب وتتبنى أيديولوجيا تنظيم خارج الحدود وشعاراته وإعلامه ورموزه وتستقدم مقاتليه، وهم من يتحكم بالقرار في الملفات الأساسية، فالقرار ليس بيد العناصر السورية ضمن “قسد”، وتمسكه قيادات أجنبية من جبال قنديل، وهو ما يعكس أوهامهم الجيوسياسية التي تبقيهم ورقة تتحكم بها دول أخرى، وليس كمشروع يأخذ هموم سكان المنطقة على عاتقه”.

من جانبه، يؤكد الباحث والمحلل السياسي حمد الطلاع أنّ رفض قسد للحلول الوطنية ليس فقط نابعاً من بنيتها غير السورية بالمجمل، إنما نتيجة لضغوط تمارسها أطراف خارجية ضمن هيكل حزب العمال الكردستاني، تمنعها من الانخراط في أي تسوية تفضي إلى بسط الدولة السورية سلطتها.

أوهام سياسية

يصف الباحث والمحلل السياسي حمد الطلاع الأهداف التي ترنو قسد إلى تحقيقها من خلال المماطلة بتنفيذ الاتفاق المبرم بين السيد الرئيس أحمد الشرع وقائد قسد مظلوم عبدي بـ”الأوهام السياسية والمراهقة في اتخاذ القرارات المناطة بالشأن العام”.

إذ يرى الباحث أن قسد لم تدرك بعد أنّ الواقع في سوريا قد تغير، وأنّ التوازنات الإقليمية والدولية باتت مختلفة تماماً.

وأضاف: “الدول التي كانت توفر لها الغطاء السياسي والعسكري، وعلى رأسها الولايات المتحدة وبعض الدول الأوروبية، بدأت تعيد حساباتها وتبني شراكات استراتيجية جديدة مع الدولة السورية”، وهذا ما أكّده المبعوث الأمريكي الخاص إلى سوريا وعدة مسؤولين آخرين من خلال تصريحاتهم المتكررة بأن كافة مسارات الشأن السوري لا يمكن أن تمر إلا من دمشق.

تزييف متعمد للمجتمع السوري في المحافظات الشرقية

يكشف الواقع الديموغرافي لمحافظات الرقة والحسكة ودير الزور زيف ادعاء قسد بأنها الممثل الشرعي للسكان في تلك المحافظات، وتستغل المكون الكردي لتنفيذ أجندات خارجية، بادعاء أنهم الأغلبية ولهم حق تقرير المصير.

وفي هذا السياق يوضح الكاطع، وصاحب عدة مؤلفات متخصصة بـ”الجزيرة السورية”، أنّ جميع سكّان محافظة دير الزور هم من العرب، فيما يشكّل المكوّن العربي 97 بالمئة من سكان محافظة الرقة، فيما يشكّل المكون الكردي في محافظة الحسكة حوالي 25 بالمئة من السكان، ونسبة 35 بالمئة من سكان مدينة القامشلي.

وأكّد الكاطع أنّ “العشائر العربية هي العمود الفقري الاجتماعي لتلك المناطق، فغالبية سكان دير الزور هم من عشائر عربية أصيلة، أبرزها العقيدات، البقارة، إضافة إلى الدليم، المشاهدة، المجاودة، القرعان، والبوليل. وفي الرقة عشائر أبرزها العفادلة، البوشعبان، النعيم، السبخة، الجيس، والبوخميس، وفي الحسكة عشائر أبرزها طيء، الجبور، الشرابيين، شمر، البقارة، المعامرة، عدوان، المحلمية، الشيبانية، الخواتنة، النعيم، إلى جانب عشائر كردية مثل الميران، الكيكان، الملية، والأشيتية وغيرها ممن تحكمهم قسد بالقوة ولا تعبر عن هويتهم”.

تغيير لهوية المنطقة

تحاول قسد طمس الهوية العربية وفرض الأيديولوجيا الخاصة بها في المنطقة ذات الأغلبية العربية، من خلال فرض مناهج تعليمية باللغة الكردية، وإطلاق يد وحدات حماية الشعب ووحدات حماية المرأة التي تعمل بشكل ممنهج على تغيير الإرث الثقافي في المنطقة، ونسف عاداتها وتقاليدها.

وتعليقاً على هذا النشاط قال الكاطع: “النتائج كارثية إن استمرت “قسد” بممارسة سياسة فرض أمر واقع تهدف لتغيير هوية المنطقة، كفرض مناهج تعليمية مؤدلجة ركيكة تروّج لأفكار حزب العمال الكردستاني، وتلغي التربية الإسلامية، وتكريد أسماء المدن والشوارع (قامشلي العربية إلى “قامشلو”، رأس العين إلى “سري كانيه”، والقحطانية إلى “تربي سبيه”)، وكذلك القرى والمناطق والأعلام، ومحاولات قمع القيم المجتمعية عبر فرض قوانين لا تحترم العادات، مثل تجريم تعدد الزوجات، وتجنيد القاصرات، والتساهل في انتشار المخدرات”.

وختم الباحث في التاريخ الاجتماعي: “هذه السياسات تفاقم الغضب الشعبي، وتهدد النسيج المجتمعي، وتؤسس لصدام طويل إذا لم يتم تدارك الأمر بالحوار وعودة المؤسسات الوطنية الشرعية، أو حتى طرح حلول أخرى في حال تعنت قسد بتنفيذ ما تم الاتفاق عليه”.

وتشير الوقائع إلى أن تعثر تنفيذ الاتفاق بين الدولة السورية و”قسد” لا يعود فقط إلى خلافات تقنية أو إدارية، وإنما إلى بنية قسد غير الوطنية وخضوع قرارها لأطراف خارجية والتي تغلّب مصالحها الضيّقة على المصلحة الوطنية على حساب السوريين في المناطق التي تفرض قسد عليها سيطرتها القسرية.