أكد رئيس الهيئة العامة للمنافذ البرية والبحرية، قتيبة أحمد بدوي، أنّ توقيع اتفاقية الشراكة مع شركة “موانئ دبي العالمية” يأتي في إطار توجيهات السيّد الرئيس أحمد الشرع بتطوير البنى التحتية والفوقية لكافة المرافق في الجمهورية العربية السورية.
وأوضح بدوي أنّ الاتفاق تم بعد ستة أشهر من المفاوضات، ويهدف إلى تشغيل وإدارة وتوسيع ميناء طرطوس بكامل أقسامه، وأنّ الهيئة بدأت منذ مطلع عام 2025 بالتنسيق مع عدد من الشركات العالمية.
ولفت إلى أن أولى الخطوات كانت توقيع اتفاق مع شركة CMA-CGM الفرنسية لتطوير محطة الحاويات في ميناء اللاذقية، قبل التوصل لاحقاً إلى اتفاق جديد مع “موانئ دبي العالمية”.
وبيّن أن الاتفاقية مع “موانئ دبي العالمية”، وهي ثاني أكبر شركة تشغيل موانئ في العالم، ستشمل محطة الحاويات، والبضائع العامة والسائبة، والمركبات المدحرجة (الرورو)، مؤكداً أنّ الشركة ستعمل على تطوير الميناء من حيث البنية التحتية والفوقية، بما في ذلك المعدات والتجهيزات الحديثة.
وأضاف: “ما نراه اليوم هو بداية حقيقية لنهضة اقتصادية ممكنة، إذا ما تم استثمار الميناء بالشكل الفعّال”، لافتاً إلى أن الموقع الاستراتيجي لميناء طرطوس يتيح له أن يكون بوابة إقليمية نحو العراق ولبنان والأردن، ونقطة عبور بين أوروبا وآسيا والخليج العربي.
واعتبر بدوي أنّ ما ورثته الحكومة السورية من مرافق متهالكة في عهد النظام البائد لا يواكب تطور الاقتصاد ولا حجم الاستيراد والتصدير، مشيراً إلى أنّ تحديث الميناء يتطلب تأهيلاً شاملاً ومبالغ مالية كبيرة لتبديل المعدات الحالية.
وأكد بدوي أن ميناء طرطوس بعد تأهيله سيكون قادراً على تسريع عمليات المناولة والتفريغ والتحميل، وهو ما سينعكس إيجاباً على التجار والمستوردين ويجعل من سوريا محوراً اقتصادياً في المنطقة.
شراكة استراتيجية مع “موانئ دبي”
واعتبر رئيس الهيئة العامة أنّ الشراكة الموقّعة مع شركة “موانئ دبي العالمية” تُمثّل نقطة تحوّل في تاريخ ميناء طرطوس، نظراً لما تملكه الشركة من شبكة علاقات واسعة وخبرات تشغيلية في أكثر من 76 ميناءً حول العالم.
وأوضح أنّ هذه الميزات دفعت الهيئة للتنسيق والدخول في مفاوضات استغرقت ستة أشهر متواصلة، في سبيل التوصل إلى اتفاق يسرّع تعافي الميناء وقطاع النقل البحري في الجمهورية العربية السورية.
وأشار خلال حديثه خاص مع الإخبارية إلى أنّ إدارة “موانئ دبي” أبلغتهم بأنّ المفاوضات السورية كانت من بين الأصعب التي خاضتها الشركة عالمياً، نتيجة الإصرار السوري على ضمان أعلى درجات السيادة والنزاهة، وحرص الهيئة على حماية الميناء كأمانة مُستعادة بدماء الشهداء وتضحيات الأرامل والنازحين.
وقال: “كنا نُذكّر الشركة دائماً أن هذا الميناء تحرر بالتضحيات، وأن كل بند تفاوضي هو مسؤولية وطنية يجب الدفاع عنها حتى اللحظة الأخيرة”، مضيفاً أن هذه الروح كانت سبباً في تقدير الشركة للشراكة، ودافعاً للإسراع بتنفيذ بنود الاتفاق.
مضيفا، أن “موانئ دبي” تمتلك خط إنتاج دائم لمعدات الشحن والمناولة البحرية بالتعاون مع كبرى الشركات العالمية، ما يعني أن عملية تجهيز ميناء طرطوس لن تستغرق سنوات كما هو الحال مع شركات أخرى، بل ستبدأ اعتباراً من الغد بوصول الفريق الفني، يليه توريد المعدات تباعاً، بعدما كانت مخصصة لموانئ أخرى.
وأوضح أن الاتفاق جاء بدعم مباشر من السيّد الرئيس أحمد الشرع وسمو الشيخ محمد بن راشد حاكم دبي، وهو ما أتاح تسريع الإجراءات الفنية واللوجستية.
وأكد أن الشركة وعدت بتحويل معدات متطورة إلى طرطوس، دعماً لحركة المناولة التي تضاعفت خمس مرات منذ انطلاق المفاوضات في شباط الماضي.
وردّاً على سؤال حول التحديات المحتملة، شدّد بدوي على أن “الجدّية المتبادلة بين الجانبين، وروح التعاون العالية، ستذلل أي عقبات”، مشيراً إلى أن الميناء عاد للعمل الأولي بعد أربعة أيام فقط من تحرير سوريا في الثامن من كانون الأول، وأصبح فعّالاً بعد ثمانية أيام، رغم صعوبة المرحلة آنذاك.
وتابع قائلاً: نحن اليوم أمام حاجة ماسّة لتحديث شامل للمعدات، إذ أن تفريغ باخرة واحدة قد يستغرق سبعة أيام في ظل الوضع الحالي، وهو أمر غير اقتصادي، ومع دخول التجهيزات الحديثة، سنشهد نقلة نوعية في الأداء، ومرحلة جديدة من الخدمة والفعالية اللوجستية لميناء طرطوس.
تفريغ السفن بيوم واحد وتفادي خسائر بـ 500 ألف دولار
أوضح رئيس الهيئة العامة للمنافذ أنّ الاتفاقية ستتيح توريد معدات متطورة إلى ميناء طرطوس، بما يسمح بتفريغ السفن خلال يوم واحد فقط، وهو ما يشكّل “فرقاً كبيراً للتجّار وأصحاب السفن على حدّ سواء”.
وفي حديثه لقناة الإخبارية، لفت إلى أنّ هذا التطوير سينعكس بشكل مباشر على الخيارات التجارية في المنطقة، قائلاً: “أيّ تاجر يملك باخرة محمّلة بالقمح مثلاً، إذا استغرق تفريغها أكثر من يوم، قد يتوجه إلى موانئ خارج سوريا، كميناء مرسين في تركيا، حيث تُفرَّغ الحمولة خلال 24 ساعة، ثم تُنقل براً إلى سوريا”.
ونوّه إلى أن كلفة استئجار الباخرة ليوم واحد تبلغ نحو 70 ألف دولار، وإذا تأخر التفريغ لأسبوع، فإن الخسائر قد تتجاوز 400 إلى 500 ألف دولار، ما يدفع بالتجار لتفادي ميناء طرطوس في ظل وضعه الحالي.
وشدّد بدوي على أن تحديث عمليات المناولة والتفريغ، ورفع كفاءة الأداء، سيحول ميناء طرطوس إلى خيار أول للتجار والمستوردين، ويعزز مكانته كمركز لنقل البضائع نحو العراق ولبنان والأردن، معتبراً أن ذلك سيعود بعوائد اقتصادية مباشرة على الدولة، ويُعيد للميناء دوره الإقليمي.
ورداً على سؤال حول فرص العمل، أوضح بدوي أن عدد العاملين داخل الميناء قد لا يتغيّر كثيراً، لكن الأثر الأكبر سيكون خارج الميناء، نتيجة تنامي الحركة التجارية والنقل وزيادة الطلب على العمال والسائقين والوقود والأنشطة اللوجستية.
وقال: “الأثر الاقتصادي الحقيقي سيكون غير مباش، فعندما تزداد فعالية الميناء تزداد الشاحنات ويزداد عدد العمّال ويرتفع عدد التجار والطلب على الخدمات وهذا سينعكس إيجاباً على السوق المحلية وفرص العمل للشباب السوري”.
اتفاقية بقيمة 800 مليون دولار
وكانت وقعت الهيئة العامة للمنافذ البرية والبحرية بحضور السيّد الرئيس أحمد الشرع، اليوم، اتفاقية مع شركة موانئ دبي العالمية بقيمة 800 مليون دولار أمريكي، وذلك في مراسم رسمية أقيمت في دمشق.
ووقّع الاتفاقية رئيس الهيئة قتيبة أحمد بدوي، فيما وقّعها عن الجانب الإماراتي رئيس مجلس إدارة شركة موانئ دبي العالمية سلطان بن سليم، بحسب الهيئة العامة للمنافذ البرية والبحرية عبر تلغرام.
وتهدف الاتفاقية إلى تطوير البنية التحتية والتشغيلية واللوجستية لميناء طرطوس، ورفع كفاءته التشغيلية وفق أعلى المعايير الدولية المعتمدة في قطاع النقل البحري والخدمات المينائية، بما يسهم في تعزيز مكانة سوريا كمركز عبور إقليمي فاعل ومتكامل.
وبموجب الاتفاق، تلتزم شركة موانئ دبي العالمية باستثمار مبلغ قدره 800 مليون دولار في تطوير الميناء، ضمن خطة إستراتيجية طويلة الأمد تستهدف استعادة دور الميناء الحيوي في دعم الاقتصاد الوطني وتأمين احتياجات السوق المحلية والدولية.
وحُددت مدة الاتفاقية بثلاثين عاماً تبدأ من تاريخ التوقيع، مع إمكانية التجديد باتفاق مشترك بين الطرفين.