لطالما ارتبط العلم السوري الحالي بألوانه ونجومه الثلاث بتضحيات السوريين عبر التاريخ، بدءاً من الاستقلال وصولاً إلى رفعه خلال سنوات الثورة السورية التي أطاحت بنظام الأسد البائد، وما حمله من أفكار وممارسات على مدى نحو 60 عاماً، ونهاية باعتماده العلم الرسمي للبلاد.
العلم السوري عكس تحولات سياسية كبرى مرت بها البلاد، وتحول عبر الزمن من مجرد رمز رسمي، إلى تعبير حي عن تضحيات الشعب السوري في وجه القمع والاستبداد.
راية الاستقلال الأولى
خاضت سوريا ثورة منذ عام 1925 وتكللت بالاستقلال، ومعها ظهر العلم بنجماته الثلاث لأول مرة عام 1928 في أول مسودة دستور للجمهورية السورية الأولى، وكانت البلاد لا تزال تحت سيطرة الانتداب الفرنسي، واقترحه حينها إبراهيم هنانو رئيس لجنة الدستور في الجمعية التأسيسية التي كلّفت بصياغة دستور الجمهورية.
إلا أن المندوب الفرنسي رفض الاعتراف بالدستور بحجة مخالفته لصك الانتداب الفرنسي، ورغم ذلك رفع الثوار العلم لأول مرة في مدينة حلب في 1 كانون الثاني 1932، وفي دمشق في 11 حزيران من العام ذاته، واعتمد رسمياً للبلاد عندما نالت سوريا استقلالها في 17 نيسان 1946.
وتمثل ألوان العلم السوري قيماً متجذرة في المجتمع، إذ يمثل اللون الأخضر الخلافة الراشدة، أما اللون الأبيض فيمثل الدولة الأموية، والأسود الدولة العباسية، بينما النجوم الثلاث فهي تمثل دمشق وحلب ودير الزور.
ومع جلاء آخر جندي فرنسي عن الأراضي السورية، اعتمدت الجمهورية السورية هذا العلم لمرحلة ما بعد الاستعمار وبداية الدولة الوطنية، ورفع في المحافل الدولية والساحات العامة بوصفه رمزاً للسيادة والكرامة الوطنية.
تغيرات العلم مع الوحدة والانفصال
مع إعلان الوحدة بين سوريا ومصر عام 1958، تبنت الدولتان علماً جديداً بألوان الأحمر والأبيض والأسود، مع نجمتين خضراوين في الوسط، لكن هذه الوحدة لم تدم طويلاً، فسرعان ما انفصلت سوريا في عام 1961، ليعود علم الاستقلال إلى الواجهة مجدداً، ويُرفع من جديد كعلم رسمي للجمهورية.
عودة علم الوحدة في عهد الأسد
في عام 1980 قرر نظام حافظ الأسد البائد اعتماد علم الوحدة من جديد، رغم غياب أي مشروع وحدوي فعلي، وأصبح هذا العلم هو المستخدم رسمياً حتى اندلاع الثورة في 2011، وخلال هذه الفترة، ارتبط العلم في أذهان كثير من السوريين بالسلطة الأمنية وسيطرة حزب البعث البائد، وفقد رمزيته الوطنية الجامعة.
الثورة تعيد للعلم قيمته
مع انطلاق الثورة السورية في مارس 2011، عاد المتظاهرون في مختلف المدن والبلدات السورية لرفع علم الاستقلال، وأطلقوا عليه اسم “علم الثورة”، واعتبروه تجسيداً لحلمهم في التغيير والحرية والعدالة، ورفع في المظاهرات والمجالس المحلية والمخيمات، وحمله السوريون في المهجر، ليصبح رمزاً يوحد الثوار والمعارضين.
وتحول علم الثورة إلى شاهد يومي على تضحيات السوريين في وجه نظام الأسد البائد، فقد رفع على قبور الشهداء، وفي ساحات المدن المحاصرة، وعلى جدران المدارس المدمرة، وأصبح حاضراً في كل بيت فقد أحد أفراده، أو هدم فوق ساكنيه أو هجر قسراً، وتحول إلى رمز للأمل والثبات لدى السوريين في الداخل والخارج.
ومع انتصار الثورة وإسقاط نظام بشار الأسد البائد، عاد علم الاستقلال ليحمل صفة العلم الرسمي لسوريا، واعتمد في المؤسسات الرسمية، كما رُفع في السفارات بمختلف دول العالم، وكذلك في مقر الأمم المتحدة في مدينة نيويورك.
ورغم كل محاولات الطمس والتشويه، ظل العلم الذي رفع لأول مرة عام 1946 حاضراً في وجدان السوريين وذاكرتهم، وتحوّل خلال الثورة إلى أكثر من مجرد راية، بل إلى هوية سياسية ووطنية جامعة، تمثل نضال شعب ما زال يسعى إلى بناء دولة قوية تكريماً لتضحيات الشهداء.