الأحد 2 صفر 1447 هـ – 27 تموز 2025
دمشق
Weather
°22.3

الموارد المائية في حمص تبيّن للإخبارية أسباب انخفاض منسوب نهر العاصي

سد الرستن على مجرى نهر العاصي في حمص

كشفت مديرية الموارد المائية في محافظة حمص لموقع الإخبارية عن الأسباب المباشرة وغير المباشرة التي أدّت إلى تراجع منسوب نهر العاصي، واضعةً جفاف الموسم في سياق من العوامل المناخية، والضغوط المائية، ومشاكل التوازن بين الموارد والاستهلاك.

وفي ظل هذه المؤشرات، أوضح مدير الموارد المائية في حمص المهندس محمد عبد الوهاب حسين الخطط الحكومية الرامية لمعالجة الأزمة، والإجراءات المتخذة لتأمين مصادر بديلة للمزارعين.

نهر العاصي.. عام جفاف

تشير مديرية الموارد المائية في حمص إلى أن العام الهيدرولوجي 2024-2025 يعد من أكثر الأعوام جفافاً منذ نحو مائة عام، نتيجة انخفاض الهطولات المطرية وانعدام تساقط الثلوج، حتى في منطقة نبع نهر العاصي في هضبة الهرمل داخل الأراضي اللبنانية.

ويوضح مدير الموارد المائية في حمص المهندس محمد عبد الوهاب حسين أن كمية الأمطار التي هطلت في محافظة حمص بلغت 141 ميليمتر فقط من أصل 400 ميليمتر كمعدل سنوي معتاد، ما انعكس سلباً على كافة المصادر المائية، وفي مقدمتها نهر العاصي.

وسجلّت الأرقام الرسمية تراجع تصريف نهر العاصي إلى ما دون 2 متر مكعب في الثانية عند دخوله الأراضي السورية بنهاية شهر حزيران الماضي، في حين انخفض التصريف إلى أقل من نصف متر مكعب في الثانية عند دخوله سد الرستن.

ويؤكد مدير الموارد المائية أن توصيف “جفاف النهر” ليس دقيقاً علمياً، لكنه يعبر عن حالة من التراجع الحاد في مستوى المياه، وهو ما أثّر بشكل مباشر على الاستخدامات المرتبطة بالنهر في المنطقة الوسطى.

التزامات استهلاكية وضغوط مائية متراكمة

واعتبر مدير الموارد المائية في حمص المهندس محمد عبد الوهاب حسين أن العوامل المناخية ليست وحدها المسؤولة عن تراجع مياه نهر العاصي، مشيراً إلى وجود التزامات مائية مستمرة تشمل مياه الشرب، وتشغيل المنشآت الصناعية، وري بعض الأراضي الزراعية على جانبي مجرى النهر.

وتعد هذه الالتزامات من الأسباب غير المباشرة التي أدت إلى انخفاض تصريف النهر إلى حدوده الدنيا، إذ إن الضغط على الوارد المائي ازداد دون أن يقابله تحسن في مستوى التغذية.

وأضاف مدير الموارد المائية أن استمرار هذه الأنماط الاستهلاكية في ظل تراجع المصادر الطبيعية يشكّل عبئاً كبيراً على موازنة النهر، خصوصاً في غياب حلول فورية لتقنين الاستهلاك أو إيقاف بعض الاستخدامات غير الضرورية.

كما نبَّه إلى أن هذه الضغوط تؤثر على الكفاءة العامة لمنظومة المياه، وتُضعف قدرة المديرية على توزيع الموارد بعدالة بين القطاعات المختلفة.

خطة لمعالجة التراجع

ضمن الخطط الموضوعة للتعامل مع الأزمة، تضع مديرية الموارد المائية في حمص خطوطاً عريضة لإعادة التوازن إلى مجرى نهر العاصي، تبدأ بإعادة النظر في السياسات الزراعية لتتلاءم مع المتغيرات المناخية الجافة.

وتؤكد المديرية على أهمية عدم تحميل النهر أي التزامات مائية إضافية في مراحله العليا والوسطى، وتدعو إلى تقنين الاستهلاك المنزلي عبر مراجعة معدل استهلاك الفرد للمياه.

وشدد مدير الموارد المائية في حمص على ضرورة تطبيق أنظمة الدارات المغلقة في المنشآت الصناعية، لتدوير المياه داخل الدورة الإنتاجية، وتقليل كميات السحب المباشر من النهر.

وتشمل الخطة أيضاً إدخال تقنيات الري الحديثة في مشاريع سد قطينة وسد الرستن، إضافة إلى إجراءات بيئية تهدف إلى معالجة انتشار القصب داخل سرير النهر، لما يسببه من فقد مائي كبير خلال فترة الجفاف.</p>

مصادر داعمة لمياه نهر العاصي

تعتمد مديرية الموارد المائية في حمص لمواجهة التحديات التي أصابت القطاع الزراعي على تشغيل الآبار الواقعة ضمن مشاريع الري، بوصفها مصادر داعمة للمياه في حالات الجفاف، على أن تخصص لزراعات غير شرهة للمياه.</p>

وتوضح المديرية أن الخطة الزراعية لهذا العام تركز على محاصيل ذات احتياج مائي منخفض، مثل الزراعات العطرية والخضروات المحدودة السقاية، في محاولة لتأمين الحد الأدنى من الأمن الغذائي في المنطقة.

في منطقة تلكلخ، تعمل فرق الصيانة على تعزيل الأقنية المتفرعة عن نهر الكبير الجنوبي، لا سيما قناة الشبرونية وقناة الحسنة، وذلك لتأمين مياه إضافية للمزارعين المتضررين من انحسار العاصي، حسبما ذكر مدير الموارد المائية في حمص خلال حديثه لموقع الإخبارية.

وأشار مدير الموارد المائية إلى استمرار التنسيق مع وزارة الزراعة والجهات المعنية، من أجل مراجعة الخطة الزراعية بشكل موسمي وفق المتوفر من الموارد، وضمان عدالة التوزيع بين المناطق المتأثرة.

السدود تنتظر وفرة الأمطار

تضم محافظة حمص 35 سداً مائياً، منها 34 سداً مستثمراً فعلياً، وتبلغ سعتها التخزينية الأعظمية 406 مليون متر مكعب، غير أن حجم التخزين الفعلي خلال العام الحالي لم يتجاوز 126 مليون متر مكعب، وفقاً لمديرية الموارد المائية في حمص.

وأوضح مدير الموارد المائية في حمص أن هذه السدود تروي ما مساحته 32 ألف هكتار من الأراضي الزراعية، لكنها تحتاج إلى تغذية منتظمة من الأمطار لتعمل بكامل طاقتها وتؤمن احتياجات الري والمياه.

وأشار حسين إلى أن جاهزية البنية التحتية للسدود لا تكفي وحدها لضمان الأمن المائي، بل يجب أن تقترن بخطط ترشيد، واعتماد تقنيات توزيع حديثة، ورفع كفاءة إدارة مياه التخزين.

ويرى أن دور هذه السدود سيبقى محورياً في حال تكررت موجات الجفاف، ما يتطلب صيانتها الدورية، وربطها بسياسات ري ذكية تتماشى مع الواقع المناخي المتغير في سوريا والمنطقة.

إجراءات وقائية للمواسم القادمة

ولمواجهة ظاهرة التغير المناخي، دعا مدير الموارد المائية المهندس محمد عبد الوهاب حسين إلى اعتماد نهج وقائي يقوم على إدارة الطلب بدلاً من إدارة الاحتياج، وتعزيز ثقافة ترشيد استهلاك المياه في جميع القطاعات.

واعتبر حسين أنّ التحولات المناخية في الشرق الأوسط باتت واقعة لا يمكن تجاهلها، ما يفرض على الجهات الحكومية والأهالي معاً العمل بمرونة ووعي، لضمان استمرارية المورد المائي في الأعوام القادمة.

وشدد على أن الوزارة بدأت بالفعل باتخاذ خطوات وقائية شملت إلغاء الزراعات الصيفية في مشاريع الري، وتوجيه المزارعين إلى زراعة محاصيل تتلاءم مع مناخ المنطقة، وتخفيف الاعتماد على الري السطحي، لافتاً إلى أهمية متابعة استخدام تقنيات الري الحديثة، وتوجيه الاستثمارات نحو تطوير البنية التحتية للمياه، بالتنسيق مع جميع الوزارات المعنية والفعاليات المحلية.