لم تعد الشكاوى عن الأزمة الغذائية الحاصلة في محافظة السويداء وغياب العدالة في توزيع المساعدات تقتصر على تداول منشورات من الأهالي والناشطين على مواقع التواصل الاجتماعي، بل خرجت إلى العلن أصوات من عاملين في جمعيات محلية تؤكد تفشي الفساد والسرقات على حساب المحتاجين في المحافظة.
وبينما يواجه أهالي السويداء إذلالاً يومياً للحصول على سلة غذائية، يتبادل مسؤولو اللجان والجمعيات المحلية الاتهامات بالسرقة والفساد، في ظل غياب الدولة وصراع الفصائل المسلحة على النفوذ.
“ناس تبكي من العازة”
في تسجيل مصوّر نشرته جمعية “عين الحكمة” العاملة في السويداء، قالت سيدة تعمل في الجمعية: “في ناس لحد الآن عم تبكي من العازة”، مؤكدة أن اللجان المحلية التي تشكلّت لتقديم المساعدة للأهالي في مراكز الاستضافة اكتفت من السرقات وبدأت ببيع المساعدات.
وذكرت أنه يتم تأمين بعض المساعدات بمبادرات فردية، مطالبةّ الأشخاص الذين جمعوا ملايين الدولارات من المساعدات أن يفزعوا لأهل السويداء المتضررين.
إذلال مقابل سلة غذائية
حديث السيدة لاقى تفاعلاً من قبل أبناء السويداء، الذين أكدوا في تعليقاتهم أن المساعدات تذل الناس بدل أن تكرمهم، فكتب أحدهم: “يا حيف ينذل الإنسان ع سلة معونة بعشرين دولار”.
بينما اتهم آخرون اللجان والمشايخ والفصائل بالاستحواذ على المساعدات، فيما أشار البعض إلى أن الأموال والمساعدات تحوّلت إلى شقق وسيارات بيد تجار الأزمة.
وبحسب ما جاء في التعليقات على التسجيل المصور، تكمن المشكلة في أن المساعدات تصل إلى لجان وجمعيات تعتمد على قوائم جاهزة، بينما تُترك عائلات فقيرة خارج التوزيع لأنها لا تطلب المساعدة بدافع الكرامة.
ولم تعد الأزمة الغذائية الحاصلة في السويداء مجرد مسألة إنسانية، بل تحولت إلى ساحة صراع بين الفصائل واللجان، وسط تراشق بالاتهامات بين فصائل محلية بسرقة المساعدات وافتعال الحصار لخدمة مصالح ضيقة.
كما إن هذا التراشق يترافق مع اتهامات متبادلة بالخيانة لكل من يتواصل مع الحكومة لتأمين المساعدات.
البكور: ضغوط ومتاجرة
في هذا السياق، خرج محافظ السويداء مصطفى البكور بتصريحات الجمعة 24 تشرين الأول، مهاجماً ما وصفه بـ”اللجنة غير القانونية” والفصائل التي تضغط على مديري الدوائر الحكومية وتمنعهم من صرف الرواتب.
وقال البكور: “الفصائل واللجنة غير القانونية تتهم كل من يسعى لتأمين الخدمات والمساعدات الإنسانية بالتواصل مع الحكومة بأنه خائن، بينما هم أول المستفيدين مما يدخل من الحكومة، ويضيقون على غيرهم”.
وأضاف: “إذا كنت تمنع غيرك من الاستفادة، فمن باب أولى أن تعيش معاناته، لا أن تتاجر بها. كفى حججاً واهية… الناس تحتاج خبزاً، راتباً، وباقي مقومات الحياة”.
وتساءل البكور: “من أعطاكم الحق أن تحاصروا أهالي محافظة السويداء بأكملها من الداخل؟ من منحكم سلطة أن تكونوا سبباً في معاناة الناس وحرمانهم من أبسط حقوقهم؟”
المساعدات وصراعات النفوذ
وبين شهادات الأهالي وتصريحات المحافظ، تتضح صور تفاقم الأزمة الغذائية في السويداء، واستغلال المساعدات في صراعات النفوذ، وفساد اللجان المحلية، فيما يبقى الأهالي المتضررين الخاسر الأكبر، وتبقى السويداء في ظل استمرار غياب الدولة بمؤسساتها الفاعلة عالقة بين جوع الأهالي وصراع الفصائل.
وكان موقع الإخبارية قد تناول في تقرير نُشر في وقت سابق موضوع تصاعد الخلافات داخل المجموعات المسلحة التابعة لحكمت الهجري، مع اتهامات متزايدة لقادتها بالتلاعب في المساعدات الإنسانية واحتكارها لمصالح خاصة.
وأشار التقرير إلى أن هذه التطورات كشفت هشاشة الوضع الإنساني في السويداء، حيث تحولت المساعدات إلى أداة نفوذ وصراع داخلي، وبرزت شهادات لناشطين وثّقوا دخول شاحنات مساعدات إلى المدينة قبل اختفائها، متهمين قادة الفصائل ببيع المواد الإغاثية في الأسواق بدلاً من إيصالها إلى مستحقيها.
وفي تقرير آخر، كشفت مصادر محلية عن واحد من أكبر ملفات الفساد في السويداء، حيث جرى الاستيلاء على أكثر من 160 مليون دولار من تبرعات المغتربين المخصصة لدعم الأهالي والبنية التحتية منذ أواخر 2024، لتتحول إلى شبكة من الصفقات الوهمية والثراء الشخصي لشخصيات نافذة مقربة من حكمت الهجري.
واستعرض التقرير شهادات من مراكز الإيواء أكدت أن المساعدات الغذائية تصل منقوصة أو تُنهب بالقوة من قبل ميليشيات محلية، ثم يُعاد بيعها في الأسواق بأسعار مضاعفة، ما جعل الإغاثة أداة للسيطرة والابتزاز بدل أن تكون وسيلة إنقاذ للمتضررين.



