تتواصل حملة “الوفاء لحلب” التي أطلقها ناشطون مطلع أيار الجاري بهدف إصلاح ما خلّفته حرب النظام البائد من دمار واسع في البنى التحتية والخدمات الأساسية في محافظة حلب.
وتشمل الحملة تنفيذ حملات نظافة شاملة ورش المبيدات الحشرية، وتأهيل شبكات الصرف الصحي والكهرباء في عدد من الأحياء المتضررة، إلى جانب تنظيم أنشطة صحية وتوعوية لرفع مستوى الوعي البيئي.
ويؤكد القائمون على المبادرة أنّ الجهود المجتمعية المستقلة هي المحرّك الأساسي لهذه الأنشطة، شهدت مشاركة واسعة من أبناء المدينة الذين يسهمون في إعادة تأهيل بيئتهم وتجاوز آثار الحرب.
نُرمم الإنسان ونُحيي المدينة
وأكد عبد الرحمن إسماعيل أحد منسقي حملة “الوفاء لحلب”، أن الحملة نفذت مسحاً ميدانياً شاملاً بالتعاون مع منظمات محلية، لتقييم احتياجات السكان في الأحياء المتضررة، ما أتاح بناء قاعدة بيانات دقيقة مكّنت القائمين عليها من توجيه الجهود نحو المشاريع الأكثر إلحاحاً.
وأوضح في تصريح خاص لموقع الإخبارية، أن الحملة تركز على دعم قطاعات البنية التحتية الحيوية، مع تنسيق مباشر مع مؤسسات الدولة لضمان تكامل الجهود مع الخطط الرسمية لإعادة الإعمار.
وأضاف أن الحملة تعمل وفق رؤية مدروسة تضع احتياجات السكان في مقدمة الأولويات، مؤكدا أن أبواب التطوع مفتوحة أمام جميع شرائح المجتمع.
ولفت إلى أن الأنشطة تشمل إعادة تأهيل المباني وورشات توعية صحية ونفسية، وحملات نظافة وإعادة تشجير، إلى جانب مبادرات تعليمية ومجتمعية لتعزيز العمل الجماعي وروح المسؤولية.
وأشار إلى أن إحدى أهم التحديات تتمثل في حجم الدمار في حلب الذي طال النسيج الاقتصادي والاجتماعي والإنساني، وتعطل المصانع وتوقفت المدارس وانهيار الأسواق، وغياب الحياة الثقافية.
وأكد أن إعادة البناء لا تعني فقط ترميم الجدران، بل ترميم الإنسان وإطلاق عجلة الاقتصاد من جديد، فالواقع يتطلب جهداً جماعياً حقيقياً لا يقتصر على التمويل الحكومي، بل يتطلب شراكة بين مؤسسات الدولة والمجتمع الأهلي لتجاوز آثار التهميش والانهيار.
وتابع: “هذه الحملة ليست سوى البداية، إذ نطمح أن تكون نواة لحملات تليها حتى تستعيد حلب مكانتها التاريخية؛ المدينة تنادي أبناءها في الداخل والخارج ليشاركوا في نهضتها، كلا من موقعه، وبأي إمكانات متاحة.”
نواجه الأوبئة ونعيد ترميم المجتمع
من جانبه أكّد منسق حملة “الوفاء لحلب” أحمد حلاق في تصريح لموقع الإخبارية، أن الحملة لا تقتصر على إعادة تأهيل البنية التحتية الأساسية، بل تركّز أيضاً على تلبية الاحتياجات العاجلة للسكان، وخصوصاً مع دخول فصل الصيف وازدياد مخاطر انتشار الأوبئة.
وأوضح حلاق أن الحملة تتضمن رش المبيدات الحشرية، وإنارة الطرقات وترميم رمزي لبعض المدارس وتجميل حدائق عامة.
وأشار إلى أن الحملة انطلقت بمبادرة من شباب عائدين إلى المدينة بالتعاون مع آخرين يقيمون فيها، بهدف ترميم النسيج الاجتماعي ورفع معنويات السكان بعد سنوات من التهميش وغياب دور المجتمع المدني في ظل حكم حزب البعث.
وأكد أن الحملة لا تقتصر على المدينة بل ستتوسع لتشمل الريف، حسب الموارد والدعم المتاح، كاشفاً أن المجلس المحلي في عندان من بين الجهات التي أبدت استعدادها لتوفير متطوعين لدعم الحملة.
وبين أن الحملة ستعرض خلال مؤتمر قريب “دليل الاحتياجات الطارئة لمدينة حلب” أمام الصناعيين والتجار والمنظمات المدنية، ليختار كل طرف المشروع الذي يمكنه المساهمة فيه.
وأضاف أن القائمين على الحملة تعمدوا عدم تقديم وعود مبالغ بها، وفضّلوا التركيز على الإنجازات الواقعية لتعزيز الثقة المجتمعية.
وكشف أن نحو 90% من المنظمات الفاعلة في المدينة أبدت استعدادها للمشاركة، والتنسيق قائم لضمان حضور شامل دون استثناء.
وقال: إن الحملة قررت عدم إطلاق شعار موحد أو صفحة رسمية، وفضّلت توثيق المساهمات عبر صفحات الشركاء، مع استخدام وسم خاص يوحّد الرسائل الإعلامية.
وأعرب عن أمله أن تتحول حملة الوفاء لحلب إلى نموذج مجتمعي يُحتذى به في باقي المحافظات، وأن تؤسس لثقافة مستدامة من العمل الأهلي تسهم في تعافي المجتمع السوري بأكمله.
وتواجه مدينة حلب تحديا في إزالة أطنان الركام والردميات التي تراكمت منذ اندلاع الثورة السورية عام 2011، بفعل سياسة الأرض المحروقة التي اتبعها النظام المخلوع، عبر استخدام شتى أنواع الأسلحة والصواريخ المدمرة.
نشاطاتنا تتسع يومياً
وفي السياق أكّد مسؤول العلاقات العامة في محافظة حلب، معتز خطاب، أن الحملة التي انطلقت في الثاني من أيار الجاري، مستمرة بوتيرة متصاعدة وتشهد تفاعلاً يومياً متزايداً من الأهالي والمتطوعين، في محاولة حثيثة لإعادة الحياة إلى المدينة بعد سنوات من الحرب والتهميش.
وأوضح خطاب في تصريح لموقع الإخبارية أن الحملة تركز حالياً على تحسين الواقع الخدمي عبر إزالة الركام وتنظيف الأحياء المتضررة، إلى جانب ترميم النسيج الاجتماعي.
وأضاف: “نحن الآن في الأسبوع الرابع من الحملة، وكل نشاط نشهده اليوم أكبر وأكثر مشاركة من سابقه، وهناك تفاعل كبير من المدنيين، وأعداد المتطوعين في تزايد”.
وتشارك فرق الدفاع المدني في هذه الحملة من خلال تقديم آليات ثقيلة للمساعدة في إزالة الأنقاض وتنظيف الشوارع، إلى جانب فرق تطوعية عديدة أبرزها فريق “يلا سوريا” الذي نفّذ أعمال تنظيف في أحياء صلاح الدين والشهباء وبستان القصر، إذ وصل عدد الفرق التطوعية في حلب إلى 50 فريقا.
أكثر من 35 ألف مبنى متضرر في حلب
وكشف تقرير صادر عن معهد الأمم المتحدة للتدريب والبحث (UNITAR) في منتصف آذار 2019، عن حجم الدمار الواسع الذي طال المدن السورية، بناء على تحليل صور الأقمار الصناعية عالية الدقة.
وأكد التقرير أن محافظة حلب تصدّرت قائمة المناطق الأكثر تضررا بـ 35,722 مبنى تعرض للخراب بنسب متفاوتة.
وتراجع عدد سكان مدينة حلب إلى نحو 1.6 مليون نسمة، بينهم نحو 200 ألف يقطنون في القسم الشرقي الذي يفتقد للخدمات، بعد أن يعيش في أحياء المدينة أكثر من 2.5 مليون نسمة قبل عام 2011.