الأربعاء 13 جمادى الآخرة 1447 هـ – 3 كانون الأول 2025

اليوم الثالث لمعركة ردع العدوان.. حلب محور الحسم

اليوم الثالث لمعركة "ردع العدوان".. حلب محور الحسم

مع دخول معركة ردع العدوان يومها الثالث، والذي صادف التاسع والعشرين من تشرين الثاني 2024، أصبحت المرحلة حاسمة بسبب انتقال المعارك من أطراف مدينة حلب إلى قلبها، بعد أيام من التحضير العسكري المكثف والتخطيط الاستراتيجي الدقيق الذي امتد لأشهر قبل انطلاق العمليات.

كما مثّل اليوم الثالث من المعركة نقطة تحول جذرية، إذ لم يعد السؤال متعلّقاً بإمكانية تحرير حلب، بل متى وكيف سيتم تثبيت السيطرة، وما هي الخطوات التالية لضمان توحيد المناطق المحررة واستكمال العملية العسكرية بنجاح.

وفي هذا السياق، قدّم قائد الفرقة 52 في الجيش العربي السوري العميد هيثم العلي شهادة موسّعة لقناة الإخبارية حول المرحلة الأكثر حساسية في معركة ردع العدوان، موضحاً أن التخطيط بدأ قبل ثلاثة إلى أربعة أشهر في جلسات مكثفة جمعته مع السيد الرئيس وعدد محدود من القادة العسكريين، وأن لحظة اتخاذ القرار كانت أصعب من تنفيذ العمل ذاته، نظراً لحالة الضغط التي عاشها الأهالي في المناطق المحررة حينها، وضرورة توسيع الجغرافيا لإيجاد متنفس للأهالي.

وأوضح العميد العلي أن النقطة الجوهرية في التخطيط كانت السرّية المحكمة التي أحيط بها محور الخرق، إذ حصر العلم به في دائرة ضيقة جداً لا تتجاوز أربعة أو خمسة قادة إلى جانب السيد الرئيس أحمد الشرع الذي كان يقود إدارة العمليات العسكرية آنذاك.

وبينما جرى دفع النظام البائد للاعتقاد بأن العمل العسكري سيبدأ من محاور أخرى، وعلى رأسها الفوج 46 الذي عزّز فيه دفاعاته ووضع فيه أربع أو خمس خطوط متتالية ظناً أنه الهدف الرئيسي، يكشف العلي أن الخطة العسكرية بنيت على سبعة محاور رئيسية.

يبدأ أولها من الشيخ عقيل وقبتان الجبل باعتباره المحور الأهم، مروراً بمزارع قبتان وبيوت تيسير باتجاه أورم، ثم منطقة الزعتري، فالفوج 46، ثم كفر حلب باتجاه تلال العيس، وصولاً إلى محور التشتيت في داديخ وكفر بطيخ نحو سراقب وشرقها.

وأكد أن كل محور خصص له دور محدد يرتبط بالمحور المركزي الذي صمّم ليكون مفتاح الخرق، مشيراً إلى أن لحظة البدء جاءت فجراً عبر كتائب خالد بن الوليد التي خضعت لإعداد استمر ما بين عام إلى عام ونصف، لتكون جاهزة لتنفيذ عمليات نوعية وكسر الخط الأول.

وبعد ذلك تسلّمت الفرقة 103 قيادة تطوير العمليات العسكرية باتجاه السلوم والقاسمية وحور شرقاً، إضافة إلى المحاور السريعة التي جرى فتحها لتحقيق خرق متتابع يمنع النظام البائد من إعادة تجميع قواته أو ترتيب خطوط دفاعية جديدة.

وأضاف العميد العلي أن العمل العسكري في هذه المعركة تجنّب المواجهة المباشرة قدر الإمكان، خلافاً لما كان يحدث في حملات النظام البائد السابقة وخاصة في 2017 و2019، موضحاً أن الخطة قامت على الإحاطة والتطويق والتحرك السريع لمنع حدوث أي تصادم ثقيل لا يخدم سير العمليات.

وأكد أن محور الخرق حقق هدفه بسرعة نتيجة عامل المباغتة، إذ لم يكن لدى النظام البائد أي مؤشر على أن هذا المحور هو الأساس، بينما كانت توجيهات القيادة العسكرية تواصل حرف أنظاره نحو محاور جانبية طوال فترة التحضير.

واعتبر العميد العلي أن نجاح المعركة ارتبط بثلاثة عوامل، وهي (التخطيط المبكر، والسرية المطلقة، والالتزام الكامل بتنفيذ المحاور وفق تسلسلها).

وأشار إلى أن تحرير حلب كان هدفاً استراتيجياً، لما تمثّله من ثقل اقتصادي وجغرافي، ولأن السيطرة عليها تتيح عودة المهجّرين في أوروبا وغيرها إلى بلادهم، إضافة إلى أنها توسّع مساحة المحرّر وتعد نقطة ارتكاز للعمليات اللاحقة.

التكتيكات الليلية وخطة الالتفاف

وأوضح العميد العلي في حديثه للإخبارية، أن نجاح العمليات العسكرية ارتبط منذ اللحظة الأولى بطبيعة القرار الذي اعتبر مصيرياً على مستوى الساحة، مبيناً أن الهدف كان تحقيق مكاسب سريعة من دون التورّط في مواجهات مباشرة.

واعتمدت قوات إدارة العمليات العسكرية أسلوب الالتفاف على أي موقع تظهر فيه مقاومة، ما أدى إلى تطويق مجموعات النظام البائد التي وجدت نفسها بين قتلى أو مضطرة للاستسلام وتسليم السلاح.

وأشار العلي إلى أن محور البحوث العلمية غرب حلب اكتسب أهميته بسبب موقعه الاستراتيجي ومحاولة النظام البائد لاحقاً تحصينه بعد أن كان سابقاً تحت سيطرة الفصائل، موضحاً أن التطوير السريع في وتيرة العمليات واعتماد القتال الليلي فاجأ قوات النظام البائد.

وبيّن أن الاختراق الليلي عبر محور حلب الجديدة وصولاً إلى محيط البحوث العلمية أدى إلى انهيار الخط الدفاعي في وقت لم يتمكن فيه النظام البائد من إعادة تنظيم صفوفه.

وتحدث العلي عن خصوصية المعارك الليلية، مبيّناً أنها احتاجت إلى إعداد طويل يشمل تدريبات ميدانية مكثفة ودورات تكتيكية خاصة تمكّن المقاتل من استخدام السلاح المزوّد بأنظمة الرؤية الليلية باحتراف.

وشكّلت منظومات الاستطلاع والمواكبة اللوجستية والصنوف الداعمة جزءاً من منظومة واحدة أتاحت التفوق الميداني، لافتاً إلى أن النظام البائد لم يتمكن من تثبيت أي خط رباط بسبب اعتماده على توقّف العمليات ليلاً، بينما كانت القوات تستغل الليل لتحقيق الاختراقات.

وجاء تطوير قدرات القتال الليلي بعد مراجعة شاملة لحملة عام 2019، التي وصفت بأنها الأقسى على المناطق المحررة، حيث جرى تحليل نقاط التفوق التي امتلكها النظام البائد آنذاك، وفي مقدّمتها قدرته على القتال ليلاً، ليصار لاحقاً إلى إعداد قوات قادرة على تجاوز تلك القدرة وتحقيق مباغتة كاملة في معركة ردع العدوان.

وقال العميد العلي إن من الضروري إيجاد وسائل مضادّة، موضحاً أن المعدات الليلية المتوافرة في المناطق المحررة كانت قليلة جداً، لذلك جرى شراء بعض التجهيزات وتصنيع بعضها الآخر، بهدف إعداد قوة ليلية قادرة على العمل في ظروف الظلام.

واحتاج هذا المسار إلى سنوات طويلة، وليس إلى شهر أو شهرين، حيث يتدرّج المقاتل في التدريب التكتيكي الليلي عبر ستة أو سبعة مستويات حتى يصل إلى درجة الإتقان في استخدام السلاح الليلي، مؤكداً أن المقاتلين أدّوا مهامهم بكفاءة وجدارة.

وتحدث العميد العلي عن محور حلب الجديدة، مشيراً إلى أن الدخول من هذا الاتجاه كان لافتاً ومكثفاً، وأن اختياره جاء وفق خطة إدارة العمليات التي رأت أن أي خرق يتم في أي منطقة يجب أن يستثمر فوراً عبر تطوير سريع للسيطرة.

وذكر أن محور الخرق الذي قادته الفرقة 103 حينها شهد تقدّماً سريعاً تهاوت أمامه مجموعات النظام البائد، فاستغلّ هذا الخرق للوصول إلى حلب الجديدة، ثم إلى دوّار الموت، وصولاً إلى مبنى الأمن العسكري، والسيطرة على المنطقة كاملة.

وفي موازاة ذلك، أشار العميد العلي إلى المعارك في تلال العيس والحاضر وبلدتي العيس والحاضر، موضحاً أن المواجهة هناك كانت مع قوات النظام وميليشيات إيران معاً.

وبيّن أن بلدة العيس كانت تعدّ موقعاً عسكرياً حصيناً يشبه القلعة، وهي محاطة بمناطق سهلية، ما يجعل الهجوم المباشر عليها صعباً ومكلفاً، لذلك كان خيار الالتفاف هو الأساس في المعركة، إذ تقدّمت قوات إدارة العمليات العسكرية عبر الزربة، ثم باتجاه الشرق نحو زيتان وبرنة والحاضر، لتلتفّ على العيس من الخلف، الأمر الذي باغت النظام البائد بالكامل وتسبب في انهيار دفاعاته.

وأضاف أن جميع المحاور التي كانت تتمركز فيها الميليشيات الإيرانية شهدت ارتباكاً كبيراً وفقداناً للسيطرة.

ميليشيات إيران والأسد

وفي مقارنة بين مقاتلي الميليشيات الإيرانية ومقاتلي جيش النظام البائد، أوضح العميد العلي أن المقاتل الإيراني كان مدرّباً ومجهّزاً وعقائدياً، ويقاتل من أجل هدف محدد، بينما كان مقاتل النظام البائد مجرد أداة لحماية “العرش والمملكة”، على حدّ وصفه.

وأشار إلى أن الإيرانيين كانوا يحصلون على تجهيزات نوعية تشمل السلاح والطعام واللباس الشتوي والصيفي، في حين لم يكن مقاتلو النظام البائد يحظون بالمعاملة نفسها.

وفي ختام حديثه، أكد العميد العلي أن ما تم تداوله إعلامياً عن “حل سياسي” أو “تسليم واستلام” مع النظام البائد غير صحيح، مشدداً على أن النظام اقتُلِع بالقوة العسكرية، من دون أي مفاوضات سياسية.

ووجّه رسالة للسوريين قائلاً إن الحسم العسكري هو الذي حقق هذه النتيجة، وإن القوات لن تتوقف حتى تبقى سوريا موحّدة بكامل أراضيها تحت قيادة واحدة، سائلاً الله أن يمنّ على البلاد بقيادة صالحة.

المصدر: الإخبارية