بعد إعلان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب رفعَ العقوبات على سوريا في فترة حكم نظام الأسد البائد، تدخل سوريا عهداً اقتصادياً جديداً، في خطوة من شأنها أن تمثِّل تحولاً كبيراً في مسار بلدٍ أنهكته الحرب الممتدة على مدار ثلاثة عشر عاماً، ومهَّدت لتدفق استثمارات متوقَّعة من السوريين في المهجر، حسب تقرير نشرته وكالة رويترز.
واستندت الوكالة في تقريرها إلى رغبات مسؤولين سوريين، ومحللين اقتصاديين، ورجال أعمال بارزين بالإسراع في تدوير عجلة الاستثمار وجلب رؤوس أموالٍ أجنبية ومحلِّية إلى الاقتصاد المحلي.
وأعرب رجل الأعمال السُّوري غسان عبود عن تفاؤله بالمرحلة القادمة، قائلاً: “كثير من رجال الأعمال السوريين كانوا مترددين في العودة إلى سوريا خوفاً من العقوبات ومخاطرها، أما الآن فالوضع سيتغير جذرياً”، مؤكِّداً أنه يضع خططاً استثمارية شاملة في قطاعات الفن والثقافة والتعليم، تُقدَّر بمليارات الدولارات، مضيفاً: “أرض سوريا خصبة، وكل بذرة تُزرع اليوم قد تؤتي ثمارها قريباً”.
وتبعاً لخبراء، فإنَّ رفع العقوبات لا يعني تدفُّق الأموال فقط، بل إعادة تشكيل المشهد الاقتصادي بالكامل، فالحكومة السورية الجديدة بقيادة السيد الرئيس أحمد الشرع، عمدت إلى التَّخلي عن النموذج الاقتصادي المركزي الذي اتبعته عائلة الأسد لأكثر من خمسة عقود، متجهة نحو سياسات الانفتاح والسوق الحرة.
وأضاف التقرير أنَّ الدول الداعمة لسوريا كالسعودية وتركيا، لعبت دوراً أساسياً في رفع العقوبات، فقد دعا وزير الخارجية السعودي علناً إلى فتح المجال أمام الاستثمارات، وأكَّد أنَّ فرصاً اقتصادية هائلة بانتظار المستثمرين في حال تحقق ذلك.
ودعا السيد الرئيس أحمد الشرع في خطاب ألقاه عقب صدور قرار الرئيس الأمريكي للاستثمار في سوريا، قائلاً: “نرحِّب بكل مستثمِر من وطننا في الداخل والخارج، ونمدُّ يدنا أيضاً إلى الأشقَّاء العرب والأتراك في كل أنحاء العالم، ليكونوا شركاءَ في إعادة بناء سوريا”.
وأكّد تيموثي آش كبير المستشارين الاستراتيجيين في مؤسسة RBC BlueBay Asset Management، أن “هناك فرصة حقيقية لتحولٍ اقتصاديٍّ واسع النطاق في سوريا والمنطقة، إذا استُثمرت هذه اللحظة جيداً”.
وتوقَّعت مؤسسات مالية تركية أن تشهد الشركات التركية طفرة في نشاطها داخل سوريا، ولاسيما في مجال إعادة الإعمار، إذ صرّح أونور جينك الرئيس التنفيذي لمجموعة BBVA المالكة لبنك Garanti BBVA التركي،بأنَّ رفع العقوبات سيفتح المجال أمام البنوك والشركات التركية للعودة القوية إلى السوق السوري، مضيفاً أنَّه سيكون للمستثمرين الأتراك دوراً بارزاً في سوق العمل السورية.
ومن جانبه، أوضح وزير المالية محمد يسر برنييه أنَّ هناك تواصلاً حقيقياً من مستثمرين من الإمارات والكويت والسعودية، مهتمين بدراسة فرص الاستثمار في قطاعات الزراعة والطاقة والسياحة والبنية التحتية، ووجه دعوة مفتوحة قائلاً: “سوريا اليوم أرض الفرص، ونحن ندعو الجميع إلى اغتنام هذه اللحظة”.
ووصف رئيسُ تحرير النشرة الاقتصادية “سوريا ريبورت” جهاد يازجي القرارَ الأمريكي بـ”التحويلي”، قائلاً إنَّه يمثل “إشارة سياسية شديدة القوة”، ويمنح سوريا فرصة لإعادة الاندماج في محيطها العربي والدولي، ولاسيما عبر قنوات الخليج والمنظَّمات المالية، والشتات السوري المنتشر في أوروبا وأمريكا.
وكشف المستثمر اللبناني عماد الخطيب أنه سرَّع خططه الاستثمارية فور إعلان القرار، حيث بدأ مع شركاء لبنانيين وسوريين العملَ على مشروع مصنعٍ لفرز النفايات في دمشق بقيمة 200 مليون دولار، وأرسل فريقاً فنياً إلى سوريا للبدء بخطوات عملية.
وأضاف الخطيب “هذه فقط البداية، وسنتبعها بخطوات أكبر إن شاء الله، نريد أن نجذب مستثمرين جدد لأنَّ سوريا تستحق نهضة حقيقية”.
وفي خطابه الذي عقب القرار الأمريكي برفع العقوبات عن سوريا، قال السيد الرئيس أحمد الشرع: ” أيها السوريون، الطريق أمامنا لا يزال طويلاً، لكننا بدأنا العمل الجاد نحو نهضة سوريا الحديثة. معًا، نحو التقدم، والازدهار، والعلم، والعمل”.
وأضاف الرئيس الشرع: “نؤكد اليوم التزامنا بتعزيز المناخ الاستثماري، وتطوير التشريعات الاقتصادية، وتقديم التسهيلات التي تمكّن رأس المال الوطني والأجنبي من الإسهام في عملية التنمية الشاملة”.
وتابع: “سوريا تعاهدكم أن تكون أرضا للسلام والعمل المشترك، ووفية لكل يدٍ امتدت إليها بخير. لن تكون بعد اليوم ساحة لصراعات النفوذ، ولا منصةً للطعن من الخارج، ولن تسمح بتقسيمها أو إحياء أدوات النظام السابق التي فرّقت شعبنا”.
وتحدَّث وزير الخارجية والمغتربين أسعد الشيباني في لقاء مع الإخبارية عن الثروات البشرية السورية المنتشرة في دول العالم، مؤكداً أنَّ الحكومة قامت مؤخراً بزيارات ميدانية إلى عدد من الجاليات في أوروبا وآسيا، واطّلعت على قصص نجاح كثيرة لسوريين تفوقوا في مجالات متعددة، من الطب والهندسة إلى ريادة الأعمال والتكنولوجيا.
وأكَّد الوزير أنَّ ” تلك القدرات ستكون لها أولوية في مشاريع الإعمار والتنمية في الداخل السوري”، مشدداً على أنَّ الحكومة بصدد “إطلاق برامج خاصة لاستقطاب الكفاءات من الخارج، وتوفير بيئة عمل واستثمار مناسبة لهم داخل البلاد”.
واختتم وزيرُ الخارجية والمغتربين أسعد الشيباني حديثه بالتأكيد على أنَّ المرحلة الحالية هي مرحلة بناء الدولة، مضيفاً أنَّ الأساس في العلاقات الخارجية هو الاستقرار، وأنَّ أي شراكة سياسية أو اقتصادية ستكون على أساس المصالح الوطنية.