الخميس 14 جمادى الآخرة 1447 هـ – 4 كانون الأول 2025

حلب.. أنموذج  الإدارة الجديد وطريق الخلاص من قلعتها إلى دمشق

حلب.. أنموذج  الإدارة الجديد وطريق الخلاص من قلعتها إلى دمشق

مع مواصلة إدارة العمليات العسكرية تقدمها في محيط مدينة حماة وسط تقهقر قوات النظام البائد، أطل القائد العام لإدارة العمليات العسكرية حينها، السيد الرئيس أحمد الشرع، في الرابع من كانون الأول على مدرج قلعة حلب، العاصمة الاقتصادية للبلاد التي تبسط فصائل الثورة السيطرة عليها بشكل كامل لأول مرة.

حملت الزيارة إلى حلب بين سطورها رسائل متعددة، فعلى الصعيد العسكري، تعد الزيارة إعلاناً رسمياً لتحرير المدينة وإيذاناً بأفول حكم النظام البائد وبزوغ عهد جديد، في وقت كان إعلام نظام الأسد المخلوع وحلفاؤه يروجون لمساعيهم في استعادة السيطرة على حلب.

التأسيس لعهد جديد

يرى الباحث في مركز جسور للدراسات عبد الوهاب عاصي، أن زيارة القائد الشرع إلى حلب حملت هدفين واضحين، الأول للتأكيد على مواصلة معركة ردع العدوان حتى إسقاط النظام.

أما الهدف الثاني فكان من وجهة نظر عاصي هو الشروع في بناء هيكل حكم بديل يملأ الفراغ في حال تحقق ذلك السيناريو”.

ومع استمرار المعارك في وسط البلاد وعقب زيارة قلعة حلب، نشرت إدارة العمليات العسكرية بياناً لقائد غرفة العمليات، توجه فيه برسالة إلى أهالي مدينة محردة بريف حماة جاء فيها: “لقد أحسنا معاملة أبناء الديانة المسيحية في إدلب وحلب، وكذلك سنحرص على حمايتكم والحفاظ على ممتلكاتكم، فأدعوكم للاطمئنان وأطلب منكم رفض الحرب النفسية التي يمارسها النظام المجرم، فلا تنزحوا من بيوتكم وقراكم”.

وفي هذا الصدد يقول عاصي: “من الممكن أن تحمل قلعة حلب جانباً رمزياً تاريخياً، فهو نمط تاريخي معروف بأن السيطرة على حلب مدخل للسيطرة على بلاد الشام”.

ويؤكد عاصي أن حلب كانت حقاً “مفتاح النصر” لأن النظام البائد كان قد جمع قواته فيها، فانهارت هذه القوات ثم أعاد تجميع ما بقي منها في حماة، ومع القضاء على بقايا النظام هناك، سقط النظام في دمشق سقوطاً نهائياً.

ويرجح عاصي أن “الشرع ربما أراد أن يقول إن ظهوره في قلعة حلب، يعني أنه قادم للسيطرة على كامل سوريا، مثلما كانت تفعل كل الجيوش التي تسيطر على بلاد الشام تاريخياً”.

وبذلك باتت حلب ثاني مدينة بعد إدلب تحت السيطرة الكاملة لقوات ردع العدوان، وكانت القوات دخلت إلى عدة أحياء في اليوم الثالث من المعركة (29 تشرين الثاني 2024)، ثم أكملت سيطرتها في اليومين الرابع والخامس قبل أن تتوجه بعدها إلى حماة وسط البلاد، حيث تدور معارك طاحنة.

إدارة مدنية

ولم يرتكز الحكم الجديد أثناء ردع العدوان على القوة العسكرية والسياسية فقط، بل على الإدارة المدنية أيضا، فما إن تراجعت حدة المعارك في مدينة حلب ومحيطها بشكل تدريجي، حتى أعلن عن إدارة كانت معدة مسبقاً لتسيير شؤون المدينة التي يقطنها أكثر من مليوني نسمة وسط دعوات للموظفين للالتحاق بأعمالهم فوراً.

وفي هذا الصدد، يشير الباحث السياسي في مركز عمران للدراسات الاستراتيجية محمد زكوان كوكه، إلى أن إدارة العمليات العسكرية عملت بالتزامن مع التخطيط للمعركة، على الاستعداد لتحديات في حال تحرير حلب.

وبالعودة إلى الإجراءات الأولى للسلطة المدنية، كلفت حكومة الإنقاذ آنذاك كوادرها بتأمين الاحتياجات الملحة لسكان حلب، كما شهدت المدينة نشاطاً للمنظمات في عدة جوانب، ومنها توزيع الخبز المجاني للقاطنين، واستئناف تشغيل محطات المياه وتوليد الكهرباء وكذلك محطات الوقود.

ويعقب كوكه: “لم تنتظر حكومة الإنقاذ آنذاك سوى ساعات قليلة عقب تحرير حلب حتى دخلت مؤسساتها الخدمية إلى المدينة وبدأت بعمليات إدارة الاحتياج وفق خطة طوارئ شاملة”، إذ لم تكن هذه الإدارة وليدة اللحظة، إنما كان يتم الإعداد لها كما كان يتم الإعداد والتجهيز لمعركة ردع العدوان.

يستذكر الباحث في مركز قاسيون للدراسات إبراهيم قيسون أن كوادراً من الاختصاصات كافة خضعت للتدريب كي تكون مهيئاة للدخول واستلام زمام الأمور في حلب من بلديات ونظافة وأفران وشرطة.

وأضاف قيسون في حديثه لموقع الإخبارية: “جرى تخريج أعداد هائلة من الدورات الشرطية في منطقة إدلب ومنطقة درع الفرات، وهذه المناطق صغيرة مقارنة بحجم هذه القوات”.

وعلى صعيد التعليم العالي، يشير الباحث إلى أن جامعات إدلب والشمال المحرر خرجت عشرات الآلاف من كافة الاختصاصات، وقد دخلوا سوق العمل في ظروف قاسية ما سهّل من مهمة الانتقال للمناطق المحررة حديثاً وإدارتها ضمن خطط الطوارئ.

أنموذج حي

لا تقف أهمية حلب عن كونها عقدة الممرات التجارية الدولية، إذ تتميز أيضاً بأنها أقدم مدينة متعايشة بتنوعها القومي والديني والمذهبي، علاوة على ذلك، شكلت حلب أثناء معركة ردع العدوان أنموذجاً أولياً وحياً لما سيكون عليه شكل الإدارة الجديدة في المحافظات الأخرى.

وبالنسبة لهذا النموذج، يرى كوكه أن إدارة العمليات العسكرية عملت على تحويل بيانات التطمين الموجهة للأهالي إلى خطوات عملية عبر زيارات للفعاليات المجتمعية والدينية، كما عملت على إحلال الشرطة محل القوات العسكرية خلال أيام قليلة.

إلا أن الإدارة المدنية واجهت تحديات خدمية في الأيام الأولى التي تلت العمليات العسكرية، لذلك اتخذت حكومة الإنقاذ، على الفور، عدة قرارات وخطوات أخرى، فيما يخص تأمين المستلزمات الأساسية، مثل المحروقات للمخابز العامة والخاصة.

ويسلط قيسون الضوء على  مسألة تأمين الخبز لأعداد هائلة مباشرة، ما إن قطع النظام البائد مادة الطحين عن المدينة.

ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد، يضيف الباحث محمد زكوان كوكه: “ترافق كل ذلك مع حملة مجتمعية من المناطق المحررة سابقاً باتجاه حلب، ساهم فيها المجتمع الأهلي ومنظمات المجتمع المدني بالتنسيق مع قيادة العمليات لتلبية احتياجات المدينة إلى حين الانتهاء من حالة الطوارئ”.

وبالإضافة إلى ما سبق، شغلت الإدارة الجديدة محطات المياه واستأنفت عملية الضخ في مناطق باب النيرب ومحطة تشرين، بينما أجرت عمليات صيانة للأعطال في محطة سليمان الحلبي، مشيرة وقتها إلى أن خدمة المياه ستعود لوضعها الطبيعي تدريجياً.

ومن الخبز والمياه إلى الاتصالات، حيث بدأت شركة سيريا فون للاتصالات العاملة في إدلب آنذاك، بتركيب أبراج في عدة مناطق بمدينة حلب، وخاصة حلب الجديدة والجميلية ومبنى الإذاعة.

ويضيف كوكه أن هذه الاستراتيجية شكلت خارطة طريق أعادت مدينة حلب بتعدادها السكاني وتنوعها إلى سكة الحياة الطبيعية خلال أيام معدودة على الرغم من استمرار معارك التحرير.

ويوضح قيسون أن العناصر العسكرية خضعت لدورات مكثفة ودائمة لكيفية التعامل مع الناس من طوائف مختلفة إلى جانب الالتزام بالقوانين المحلية والدولية.

ومن وجهة نظر قيسون، فإن المسألة الثانية ترتبط بالناحية الأمنية وضبط السرقات ومنع الاعتداءات والاستفزازات الطائفية، وهو أمر مهم لكسب الرأي العام المحلي والإقليمي والدولي.

وحمل ظهور قائد العمليات الأول في قلعة حلب رسالة بددت أوهام النظام باستمرار حكمه، وبأن ما بعد السابع والعشرين من تشرين الثاني لعام ٢٠٢٤ ليس كما قبله، كما قدم أنموذج الإدارة الطارئة في حلب صورة لقدرة الحكم الجديد على إدارة مدن كبرى أمام المجتمع السوري والدولي  دون ترك المجال للفوضى والفراغ الأمني.

المصدر: الإخبارية