في إطار الجهود الرامية لإعادة صياغة مستقبل مدينة حلب وتطوير بنيتها العمرانية والاقتصادية، عقد محافظ حلب المهندس عزام الغريب اجتماعاً موسعاً، قبل أيام، مع الفريق المكلف بإعداد رؤية “حلب الكبرى”، بهدف استعراض مخرجات ورشة التخطيط التشاركي ومناقشة المشاريع ذات الأولوية التي ستنفذ خلال الأشهر المقبلة.
وحضر الاجتماع الذي عقد في مبنى المحافظة، المحافظ الغريب مع المهندس علاء الجابري المكلف بإعداد رؤية حلب الكبرى، وبحضور الخبير المعماري الدكتور بشار سويد، وممثلين عن منظمة التنمية السورية ومؤسسة IDEA-2020.
وقدم فريق العمل خلال الاجتماع عرضاً تفصيلياً لخطة العمل والبرامج التطويرية، والتي تهدف إلى تعزيز البنية العمرانية والاقتصادية للمدينة، مع التركيز على مشاريع ملموسة تخدم السكان مباشرة.
ما هي رؤية “حلب الكبرى”؟
أفاد المهندس علاء الجابري المكلف بإعداد الرؤية لموقع الإخبارية أن حلب الكبرى تعد مشروعاً تشاركياً بامتياز، يبنى بالشراكة مع سكان المدينة وخبرائها ومؤسساتها ومجالسها المحلية ونقاباتها المهنية.
وأضاف أن الهدف من المشروع هو ضمان أن يكون التخطيط الحضري قائماً على واقع السكان واحتياجاتهم الفعلية، بما يضمن تنمية عمرانية متوازنة ومستدامة.
وأوضح أن المرحلة المقبلة ستشهد تنفيذ ورشات للتخطيط التشاركي مع الأهالي في مختلف المناطق، بهدف سماع آرائهم وتحديد الأولويات مباشرة معهم، كما سيتم إطلاق المرصد الحضري كمؤسسة لرصد واقع المدينة وتطورها، مع نشر بيانات شفافة ومفتوحة أمام المجتمع لضمان المشاركة الحقيقية.
وتشمل الخطة وفقاً للجابري مشاريع المسح المكاني والميداني والاجتماعي التي تنطلق من الواقع وتستند إلى معرفة دقيقة باحتياجات السكان، إضافة إلى مشروع الاستجابة العمرانية السريعة لمعالجة التحديات العاجلة مثل السكن والخدمات الأساسية، وتطوير الخارطة العمرانية التفاعلية لتمكين المواطنين من فهم واقع مدينتهم والمشاركة في رسم مستقبلها.
ولفت الجابري إلى أن منظومة المشاركة المجتمعية التي تم تأسيسها تضم ممثلين عن المجالس المحلية والنقابات والخبراء والمجتمع المدني، إلى جانب لجنة فنية للاستجابة السريعة لدراسة المشاريع العاجلة التي تمس حياة الناس مباشرة، بما في ذلك السكن والبنية التحتية والتنظيم العقاري، موضحًا أن هذه الآليات تضمن دمج صوت المجتمع في كل مراحل التخطيط والتنفيذ.
تحديث البنية التحتية
وسيتم تحديث البنية التحتية وتنفيذها مع احترام الهوية التاريخية والمعمارية للمدينة، بالتعاون مع الجهات المعنية بالتراث، واستخدام أدوات وتقنيات حديثة تضمن الحفاظ على الطابع الأصيل للمدينة، مع تحسين الخدمات بشكل متكامل، وفقاً للجابري.
وأكد أن الأحياء المتضررة ستكون في قلب خطة الرؤية، مشيراً إلى بدء تنفيذ مسوح مجتمعية وميدانية للاستماع إلى السكان مباشرة، يليها إعداد مخططات مرنة ومنصفة تضمن العودة الآمنة، وتوفير السكن اللائق، وتحول دون تكرار العشوائيات أو النزوح مجدداً، بما يعكس التزام المشروع بتعزيز استقرار المدينة وتحسين جودة حياة سكانها.
توسيع الحدود الإدارية للمدينة
يرى عضو مكتب العلاقات الإعلامية في مديرية إعلام حلب عامر الفج أن مفهوم “حلب الكبرى” لا يقتصر على توسيع الحدود الإدارية للمدينة أو تحويلها إلى كتلة حضرية واحدة، بل يقوم على ربط المدينة بضواحيها ومحيطها الحيوي عبر شبكة متكاملة من الخدمات والبنية التحتية، بحيث تصبح هذه الضواحي مراكز اقتصادية واجتماعية مستقلة.
وأضاف الفج في حديثه لموقع الإخبارية أن هذا التوجه يهدف إلى الحد من الهجرة المستمرة منذ عقود من الريف إلى المدينة، والتي أدت إلى تراجع الخدمات وإهمال المناطق الريفية.
وأشار الفج إلى أن الواقع العمراني يضع هذا المفهوم أمام تحديات كبيرة، أبرزها الدمار الواسع الذي خلفته الحرب، وانتشار العشوائيات، والضغط السكاني المتزايد، ما يجعل أي تصور لحلب الكبرى مرتبطا بقدرة المدينة على تحقيق تعافٍ حضري يدمج المناطق المدمرة وغير المنظمة في نسيج عمراني متوازن.
رؤية تمتد حتى عامي 2040 و2060
وأوضح الفج أن من أبرز تجليات هذا النقاش ورشة عمل استمرت يومين في فندق الشهباء، وشارك فيها خبراء ومهندسون وأكاديميون، لتكون منصة لتبادل المقترحات حول شكل حلب الكبرى.
وأضاف أن الورشة ركزت على محاور رئيسية تشمل الاستدامة العمرانية، وتوزيع الخدمات بشكل أكثر عدلاً، ووضع رؤية طويلة المدى تمتد حتى عامي 2040 و2060.
وبحسب الفج، تضمنت النقاشات أفكاراً متنوعة، بين مقترحات قريبة المدى، مثل توسيع مدينة الشيخ نجار الصناعية لاستيعاب المشاريع المتناثرة، وإنشاء محطات متقدمة لمعالجة مياه الصرف الصحي، ورؤى بعيدة المدى تشمل مشاريع طموحة، مثل تحويل مدينة أعزاز إلى عقدة مواصلات حديثة تربطها بشبكة طرق ومترو مع حلب، ما يعكس ازدواجية الرؤية بين الحلول التقنية العملية والطموحات الاستراتيجية المستقبلية.
ويقدر بعض خبراء التخطيط أن تحقيق حلول متكاملة لحلب الكبرى قد لا يكون ممكنا قبل عام 2040 في أفضل السيناريوهات، فيما تمتد التقديرات الأكثر تحفظا حتى عام 2060، ما يجعل المشروع رؤية استراتيجية بعيدة المدى أكثر من كونه تنفيذاً مباشرا.
وأوضح أن ذلك يتطلب إعادة دراسة المخططات العمرانية لحلب منذ عام 1898 وحتى 2000، للخروج بخريطة جديدة تراعي الماضي وتبني عليه.
تنمية المحيط الحيوي وربطه بالمدينة
ويلفت الفج إلى أن التجارب السابقة أظهرت أن ضم القرى والبلدات إلى المدينة بموجب مخططات قديمة أدى إلى تراجع خدماتها بعد فقدان موازناتها المستقلة وربطها بموازنة المدينة، مؤكداً أن أي تصور لحلب الكبرى يجب أن ينطلق من تنمية المحيط الحيوي وربطه بالمدينة عبر شبكة مواصلات وخدمات متطورة، ما قد يحد من الهجرة إلى المركز أو يشجع على هجرة عكسية.
وأشار إلى أن هذا التصور يشمل إدراج العشوائيات والمناطق المدمرة ضمن خطة زمنية لإعادة تنظيمها وإعمارها، مع دمجها بالنسيج العمراني لمدينة حلب، مع الحفاظ على حقوق المالكين والمستأجرين وشاغلي العقارات غير المرخصة في المناطق غير المنظمة.
وأكد أن توحيد المعايير التنظيمية لجميع مناطق حلب الكبرى، مثل ضوابط البناء وشروط الترخيص، يواجه صعوبات عملية، إذ لا يمكن تطبيق نفس المعايير على الأحياء القديمة والجديدة، ما يجعل اعتماد نظام متعدد الضوابط الحل الأنسب لتحقيق التوازن بين المناطق المختلفة.