يصف خبراء ومحللون قرار رفع العقوبات عن سوريا الذي أعلنه الرئيس الأمريكي دونالد ترامب أمس، بأنه خطوة تاريخية لعودة الحياة للاقتصاد السوري والتعافي بما يشكله من تحول جذري في المشهد الاقتصادي المحلي.
هذا القرار يمهد الطريق أمام الاستثمارات العربية والدولية، ويعد ركيزة أساسية للتخلص من إرث الفساد الذي تركه النظام البائد، إلا أنه يحتاج إلى خطط عمل للوصول إلى التعافي والازدهار الاقتصادي الذي يسهم في دعم المواطن السوري وتحسين واقعه المعيشي.
وحول أثر رفع العقوبات عن سوريا، رأى أستاذ الاقتصاد السياسي محمد موسى أن هذا القرار له انعكاساته المباشرة على الدولة وعلى المواطن على حد سواء، وأكد أن التخلص من إرث النظام البائد الذي دمر الاقتصاد السوري يكون عبر القانون وإنهاء زمن المحسوبيات والوساطات، وبناء مؤسسات مستقلة تمتلك مقومات المنافسة.
النهوض بالواقع المعيشي
وأكد موسى على ضرورة رفع كفاءة العاملين والاهتمام بالطاقات البشرية من فنيين وخبراء وعمال وغيرهم، في المؤسسات وخاصة الاقتصادية لجهة التدريب على أساليب متطورة وتقنيات حديثة في العمل، فضلاً عن تحسين الوضع المعيشي عبر رفع الأجور إلى جانب متابعة رقابية وإدارية لتطوير المؤسسات.
وحول تقدير المدة الزمنية التي تحتاجها عجلة الاقتصاد السوري محلياً للانطلاق مجددا، أوضح موسى أن ذلك يحتاج إلى تصديق الكونغرس الأمريكي على القرار، وتصديق إدارة الخزانة الأمريكية وغير ذلك من إجراءات دولية، وهذا يتطلب نحو شهرين.
وبحسب موسى، فإنه ريثما تنتهي هذه الإجراءات، لا بد من إعداد خطة شاملة للنهوض بالاقتصاد داخلياً، تشمل الاقتصاد والإدارة المالية والزراعة والطاقة والبنية التحتية وغير ذلك في مختلف المجالات، ولفت إلى أن ذلك يعتمد على قدرة الحكومة والدعم الخارجي أو قروض خارجية.
وأوضح أن إعداد هذه الخطة بحجم تدفق الاستثمارات الخارجية سواء شركات عربية أو أجنبية، يحتاج إلى بنود تنفذ على أرض الواقع، لذلك لا يمكن التكهن بالمدة الزمنية اللازمة لبدء عجلة الاقتصاد السوري بالدوران، وهذه الخطة تحتاج للدعم الخارجي وجلب الاستثمارات والتشجيع عليها.
وأكد موسى أن قرار رفع العقوبات أهم قرار لإعادة إعمار سوريا، إذ يسهم في إعادة ربط سوريا في النظام الدولي” السويفت” للتحويلات البنكية، وهذا يشجع الشركات العربية والعالمية وحتى الحكومية، للتوجه نحو الاستثمار وضخ الأموال في المشاريع في سوريا بشكل قانوني.
تسهيلات لإعادة الإعمار
ويرى أستاذ الاقتصاد السياسي أن رفع العقوبات يتيح إدخال المعدات الحديثة والتقانات الحديثة والذكاء الاصطناعي في مختلف المجالات، وكل ما يحتاجه ملف إعادة البنى التحتية للبدء بإعادة الأعمار وبناء سوريا الجديدة.
وشدد موسى على أن السياسة الاقتصادية الدولية نحو سوريا، ستتغير مع توجه المستثمرين والشركات العالمية والصناديق السيادية للاستثمار، في ظل الاستقرار السياسي والأمني إلى جانب حالة الوفاق مع الإدارة الأمريكية.
ولفت إلى أن شركات عالمية متخصصة بالطاقة والنفط والغاز والاتصالات والطرقات والمطارات والموانئ، ستدخل سوريا للاستثمار، وستسهم في تحريك عجلة اقتصادها.
ويعتقد أن المواطن السوري سيستفيد من هذا القرار عبر ربط سوريا بنظام التحويلات البنكية العالمية، ما يسهل دخول الأموال إلى سوريا ونقل أموال وشركات السوريين المقيمين في الخارج، كما يخدم رفع العقوبات في استخدام البطاقات المصرفية التي يحملها السوريون العائدون إلى بلدهم.
وأكد أن عجلة الإعمار والاقتصاد ستتصاعد وتيرتها، فكلما زاد حجم المشاريع والاستثمارات، فإن ذلك يزيد الطلب على اليد العاملة والخبراء والفنيين، وبالتالي يرفع الأجور ويزيد الدخل، وسيشعر المواطن السوري بتطور الخدمات المقدمة في قطاعات الصحة والنقل والكهرباء والاتصالات والتعليم، ولكن على المدى البعيد.
من جهته، يرى نقيب الاقتصاديين السوريين محمد البكور، أن رفع العقوبات يعني تدفق السيولة في الأنشطة الاقتصادية للقطاعات كافة، وهو أشبه بتدفق الدماء داخل الجسد، على حد تعبيره.
وأكد البكور أن رفع العقوبات خطوة مهمة للانطلاق بالمشاريع على مختلف الأصعدة، وبالتالي الوصول إلى التعافي ومن ثم الازدهار الاقتصادي، وأشاد بالجهود الكبيرة التي قدمها الجانب التركي والسعودي والقطري لدعم رفع العقوبات عن سوريا.
ورجح البكور أن يلمس الشعب السوري آثار هذا القرار والتحسن في مختلف المناحي خلال الشهر الأول، في حين يحتاج الأمر ستة أشهر للمس الخطوات العملية.