تكتسب زيارة السيد الرئيس أحمد الشرع إلى العاصمة الفرنسية باريس، أهمية سياسية واقتصادية إذ تعد فرنسا بوابة الاتحاد الأوروبي، والعضو الدائم في مجلس الأمن، كما أنها تلعب دوراً محورياً في السياسة الدولية وفي منطقة الشرق الأوسط على وجه التحديد، كذلك تحتل المرتبة الثالثة عالمياً من حيث قوة حضورها الدبلوماسي بعد الصين والولايات المتحدة.
دلالات سياسية عميقة
الباحث في الشأن السياسي تركي المصطفى، وصف زيارة الرئيس أحمد الشرع إلى العاصمة الفرنسية بأنها “خطوة تحمل دلالات سياسية عميقة”، فهي أول زيارة له إلى دولة أوروبية منذ توليه السلطة.
وقال “إن هذه الزيارة ليست مجرد حدث دبلوماسي عابر؛ بل نقطة تحول محتملة في مسار العلاقات السورية – الأوروبية، وتحديداً مع فرنسا التي تتبوأ موقعاً فريداً كبوابة رئيسية للاتحاد الأوروبي”.
وأكد المصطفى أنه ليس من قبيل المصادفة أن تكون باريس الوجهة الأولى للرئيس الشرع في جولاته الأوروبية، ففرنسا تتمتع بتاريخ عريق في المنطقة عموماً وسوريا خصوصاً، وتمثل أكثر من مجرد شريك دبلوماسي، كما أنها رمز للنفوذ الأوروبي وصوت قوي في أروقة بروكسل حيث تصاغ سياسات الاتحاد الأوروبي.
كسر العزلة الدولية
وشدد على أن هذا اللقاء سيغوص في ملفات حساسة تشمل دعم العملية السياسية الشاملة ومواجهة التحديات الأمنية بما في ذلك الاعتداءات الإسرائيلية المتكررة، فضلاً عن استقرار المنطقة وخاصة لبنان الذي يشكل أولوية فرنسية ملحة إلى جانب كسر العزلة وإعادة الدمج في النظام الدولي.
وتكررت حوادث الاعتداءات الإسرائيلية والهجمات على الأراضي السورية في الأشهر الأخيرة، ومنها التوغلات البرية وقصف مواقع مدنية وعسكرية، وأكدت وزارة الخارجية الفرنسية في وقت سابق على أهمية احترام السيادة السورية ووحدة أراضيها، مشددة على أن الانتشار الإسرائيلي في المنطقة الفاصلة يعد انتهاكاً لاتفاق فض الاشتباك.
وبحسب المصطفى، فإن هذه الزيارة تظهر قدرة الحكومة السورية الجديدة على تقديم نفسها كشريك موثوق أمام المجتمع الدولي، في محاولة لكسر العزلة التي عانت منها سوريا لعقود، علاوة على إعادة دمجها في النظام الدولي عبر بوابة أوروبية تحمل وعوداً بالدعم السياسي والاقتصادي.
وأوضح أن فرنسا تعد المدخل الأمثل لهذا الهدف، إذ احتضنت باريس في الماضي العديد من المؤتمرات المتعلقة بالشأن السوري، وتملك الخبرة والنفوذ لقيادة حوار أوروبي موحد حول دعم سوريا، لافتا إلى أن نجاح هذه الزيارة سيمهد الطريق لتخفيف العقوبات وتدفق الاستثمارات الأوروبية وهي خطوة حاسمة لإعادة إعمار البلاد.
باريس شريك مثالي
وعرج الباحث على الأبعاد الاقتصادية التي لا تقل أهمية عن الأبعاد السياسية، ففرنسا بقوتها الاقتصادية وخبرتها في قطاعات الطاقة والنقل والسياحة تقدم نفسها كشريك مثالي، وأوضح أن شركات فرنسية كبرى، مثل “توتال إنرجي”، “فينسي”، و”أكور”، أبدت اهتماماً مبدئياً بالعودة إلى السوق السورية شريطة توفر بيئة قانونية وأمنية مستقرة.
وأشار إلى أن الاتفاق الأخير بين الحكومة السورية وشركة “CMA CGM” الفرنسية لتطوير ميناء اللاذقية، يعد إشارة إلى انفتاح سوريا على الشراكات الدولية، واستعداداً فرنسياً للعب دور ريادي في إعادة بناء الاقتصاد السوري.
ووصل السيد الرئيس أحمد الشرع، إلى العاصمة الفرنسية باريس اليوم 7 أيار، للقاء نظيره الفرنسي إيمانويل ماكرون لبحث سبل تعزيز العلاقات الثنائية والتعاون في الملفات السياسية والأمنية والاقتصادية.
وستتناول القمة عدداً من القضايا ذات الأولوية، من بينها دعم سيادة سوريا ووحدتها، والاعتداءات الإسرائيلية المتكررة على الأراضي السورية، والعلاقات مع دول الجوار.
كما سيناقش الرئيسان آليات تخفيف العقوبات الغربية المفروضة على سوريا وسبل تقديم الدعم الاقتصادي ولا سيما في مجالات الطاقة وقطاع الطيران وإعادة تنشيط المساعدات الإنسانية والتنموية بما يسهم في تسريع وتيرة الاستقرار والتعافي في البلاد.
وتأتي هذه الزيارة في ظل تحولات كبيرة تشهدها العلاقات السورية – الفرنسية، إذ رحبت باريس بسقوط نظام الأسد المخلوع، وبدأت منذ ذلك الحين بتعزيز انفتاحها السياسي والدبلوماسي على الحكومة بقيادة السيد الشرع.
وأعلنت وزارة الخارجية الفرنسية الشهر الماضي تعيين قائم بالأعمال في دمشق، مع فريق دبلوماسي صغير، في خطوة تمهيدية لإعادة فتح السفارة الفرنسية بشكل كامل في دمشق.
وتُعدّ زيارة الرئيس الشرع إلى باريس محطة دبلوماسية مفصلية في مسار استعادة سوريا لعلاقاتها الدولية، وسط دعم متزايد من شركاء أوروبيين وإقليميين لمسار الانتقال السياسي، وتعزيز استقرار الدولة ومؤسساتها.