الاثنين 13 ذو الحجة 1446 هـ – 9 حزيران 2025
دمشق
Weather
°20.7

عبد الباسط الساروت .. “حارس الثورة” الذي غنى للحرية حتى ارتقى

عبد الباسط الساروت .. "حارس الثورة" الذي غنى للحرية حتى ارتقى

استشهد عبد الباسط الساروت في 8 حزيران 2019، لكن حضوره لا يزال يملأ الساحات، يتردد صوته في أناشيد الثورة، وترفع صورته في كل ذكرى، كرمز للشباب السوري الذي ضحى لأجل الكرامة والحرية.

في ذاكرة السوريين، لا يمكن الحديث عن الثورة دون استحضار اسم الساروت، الشاب الذي تحول من حارس مرمى واعد إلى أيقونة وطنية وصوت حر هز ميادين التظاهر وهتافات الشارع الثائر.

النشأة والبدايات الرياضية

ولد عبد الباسط ممدوح الساروت عام 1992 في حي البياضة في مدينة حمص، لأسرة تنحدر من الجولان المحتل، نشأ في بيئة بسيطة ومحافظة، وسط عائلة كبيرة معظم أفرادها استشهدوا خلال الثورة.

لمع نجمه في كرة القدم، فلعب في صفوف نادي الكرامة الحمصي، وبرز كأحد أفضل حراس المرمى في فئته العمرية، لم يتجاوز العشرين من عمره حين تم اختياره ليكون حارس مرمى منتخب سوريا للشباب، في بداية مسيرة رياضية واعدة كانت لتفضي إلى الاحتراف.

من الملعب إلى ساحات التظاهر

مع اندلاع الثورة السورية في آذار 2011، كان عبد الباسط في قلب الأحداث، لم يتردد لحظة في الانضمام إلى المظاهرات السلمية التي انطلقت من أحياء حمص، وتحديدا من البياضة والخالدية وبابا عمرو، عرفته المنصات الثورية منشدا وقائد هتاف، يأخذ بيد الشباب، يرفع من عزائمهم، ويقود الحشود بشعارات وأغاني الثورة.

تحول من لاعب دولي إلى مطلوب أمني، وتعرض للعديد من محاولات الاعتقال، لكنه نجا منها، خاصة في حمص، التي لقّبته بـ”حارس الثورة”، وهو لقب لازمه حتى بعد استشهاده.

صوت الثورة

برز عبد الباسط كمنشد وقائد في ساحات التظاهر في سوريا، حيث كان يعتلي المنصات ويقود أهازيج المتظاهرين الذين يرددون خلفه، كانت الهتافات تحمل أهداف وشعارات الثورة.

كما أدى عددا من الأناشيد التي أصبحت أيقونات ثورية تتردد في ساحات الاعتصام والتظاهر وعلى شفاه الثوار، ومن أبرزها: جنة جنة، يا يما بثوب جديد، منقول الله يرحمك يا حمص، حانن للحرية، روح الثورة.

حين فرضت الحرب واقعها

بعد تزايد القمع والدموية من قبل النظام البائد، وخاصة خلال حصار حمص، حمل عبد الباسط السلاح، وأصبح قائدا ميدانيا في صفوف الجيش الحر، وشارك في الدفاع عن أحياء حمص المحاصرة، قاد معارك ضد قوات النظام، لا سيما في بابا عمرو والبياضة.

خلال الحصار الخانق الذي فرضته قوات النظام البائد على أحياء حمص الثائرة، وخاصة بابا عمرو، البياضة، دير بعلبة، والخالدية، كان السكان يعانون من شحّ شديد في الغذاء والدواء، ووصلت الأمور حد المجاعة، وبات إدخال كيس طحين بمثابة “معركة حياة أو موت”.

انطلقت مجموعة من المقاتلين الثوار، بينهم عبد الباسط الساروت، في مهمة لإدخال كميات صغيرة من الطحين إلى تلك الأحياء، بغرض تأمين الخبز لعائلات محاصرة.

كان الساروت أحد قادة المجموعة الميدانية التي تسللت في الليل عبر ممرات ضيقة وخنادق محفورة تحت الأرض، ونجح مع رفاقه في إدخال بعض الأكياس، متحدين الحصار ونيران القناصة، وقد وثّقت بعض التسجيلات المصوّرة تلك المهمة، حيث يظهر الساروت يحمل كيس الطحين على كتفه، مرددًا هتافاته الثورية، حيث تحوّلت هذه المعركة إلى رمز في الذاكرة الثورية.

استشهد أربعة من إخوته ووالده خلال سنوات الثورة، مما زاد من تصميمه على المضي في الطريق حتى النهاية، كما واجه اتهامات عدة بمحاولة الانخراط في تشكيلات متشددة، لكنه سرعان ما أعلن تراجعه عن ذلك مؤكدا تمسكه بخط الثورة السورية.

التهجير ثم العودة للميدان

بعد اتفاق التسوية في حمص عام 2014، خرج الساروت ضمن دفعات المهجرين إلى الشمال السوري، واستقر لفترة في إدلب، ثم تنقل في مناطق ريف حماة الشمالي، وخلال تواجده في شمالي سوريا، لم تتوقف نشاطاته حيث شارك وقاد عشرات المظاهرات.

ولم يقتصر نشاطه على جانب التظاهر، بل شارك أيضا في عدد المعارك ضد قوات النظام البائد، كان آخرها في معركة “كسر العظم”.

آخر الميادين

معركة “كسر العظم” هو الاسم الذي أطلق على عملية عسكرية لفصائل الثورة السورية في ريف إدلب الجنوبي وريف حماة الشمالي في عام 2019ضد قوات النظام البائد المدعومة من روسيا.

جاءت هذه المعركة كرد على تصعيد عسكري واسع شنه النظام البائد على الشمال السوري، ومحاولة الفصائل العسكرية التصدي لمحاولة التقدم نحو معاقلها الرئيسية في الشمال السوري.

شارك عبد الباسط الساروت ضمن صفوف فصيل جيش العزة، وكان في الخطوط الأمامية أثناء محاولة صد تقدم النظام البائد باتجاه محور تل ملح والزكاة وكفرنبودة، حيث خاض مع رفاقه مواجهات عنيفة في ظروف قاسية.

في أوائل حزيران 2019، أصيب الساروت بجروح خطيرة نتيجة قصف مدفعي خلال مشاركته في إحدى المعارك قرب تل ملح، ونُقل إلى أحد مشافي إدلب، ومنها إلى مشفى في تركيا، لكنه فارق الحياة متأثرا بجراحه صباح السبت 8 حزيران 2019.

سميت المعركة بـ”كسر العظم” لأنها مثلت اختبارا مصيريا، وكان الساروت في قلب هذا الاختبار، ليكتب فصله الأخير في الثورة كما عاشها: ثائرا حتى اللحظة الأخيرة.

رحيله

خرجت جنازة مهيبة لعبد الباسط الساروت في محافظة إدلب، شارك فيها آلاف السوريين، تحول وداعه إلى زفاف شهيد كما أراده، ودفن في مقبرة الدانا شمال سوريا، كانت جنازته واحدة من أضخم ما شهدته المنطقة منذ سنوات، ورددت خلالها الجماهير الأناشيد التي أنشدها، ورفعوا صوره كقائد رمزي في الثورة السورية.

صوته بعد التحرير

بعد تحرير سوريا من النظام البائد، كان صوت عبد الباسط الساروت حاضرا كما في الأيام الأولى للثورة، استخدمت أناشيده في الاحتفالات التي أقيمت فرحا بسقوط النظام البائد، كانت “جنة جنة” تبث في المدارس والساحات لتعكس القيّم التي استشهد لأجلها، بدا وكأنه يرافق السوريين حتى بعد وفاته، حاضرا في كل لحظة فرح، كأن صوته كان يمهد الطريق لمرحلة الحرية، وظل معهم إلى لحظة تحقيقها.

لا يزال عبد الباسط الساروت حيا في ذاكرة الثورة السورية كرمز للشباب الحر الذي اختار طريق الكرامة، تخلى عن أحلامه في كرة القدم ليحمل راية شعب، وأصبح صوتا للألم والأمل.

وفي ذكراه، لا يستحضر عبد الباسط فقط كمقاتل أو منشد، بل كقصة وطنية، عبرت عن جيل كامل حلم بسوريا حرة.