أكَّد وزير العدل، مظهر الويس، أنَّ خطة عمل وزارته تتناغم مع متطلّبات مرحلة إعادة الإعمار والتنمية، وتضع في أولوياتها تحقيق العدالة بمفهومها الشامل، بدءاً من مراعاة حقوق الإنسان وصولاً إلى ترسيخ مبادئ العدالة الانتقالية.
وفي تصريحات خاصة لموقع “الإخبارية”، قال الويس: إنَّ الوزارة تنطلق من مبدأ محوري يتمثّل في إعادة الاعتبار للقاضي باعتباره أساس العملية القضائية وركنها الجوهري، مؤكداً أن القاضي الكفء، المتمسك بالقيم والمعتز بموقعه وثقته بنفسه، هو الضمانة الأولى لاستقلال القضاء وتحقيق العدالة.
وأوضح أنَّ الوزارة تعمل على إطلاق حوارات مشتركة مع المواطنين لتلقي آرائهم ومقترحاتهم حول تحسين النظام القضائي، مشدداً على أنَّ استشعار احتياجات وآمال المواطنين يعد أمراً ضرورياً لضمان أن تكون الإصلاحات متوائمة مع تطلعات المجتمع.
البنية التشريعية وفصل السلطات
وأشار الوزير إلى أنَّ الوزارة تسعى لتطوير البنية التشريعية بما يتماشى مع مبدأ فصل السلطات، كما نصّ عليه الإعلان الدستوري، ولهذا الغرض تعمل الوزارة على مراجعة شاملة للقوانين النافذة من خلال لجان وورشات تخصصية تضم خبراء ومختصين.
وأضاف أنَّ المنظومة التشريعية عانت خلال العقود الماضية من الفوضى والتشويه نتيجة كثرة التعديلات واللجوء إلى قوانين استثنائية فرضها النظام السابق، مما أضعف فاعلية النصوص وأخلّ بمبدأ العدالة، مشدداً على ضرورة بذل جهد كبير لإعادة بناء هذه المنظومة.
ونوه الويس إلى أن إدارة التشريع تلعب دوراً محورياً في هذا المسار، كونها الجهة المتخصصة في إعداد وصياغة مشاريع القوانين بما يتماشى مع تطلّعات البلد ويلبي متطلّبات العدالة الحديثة.
وأشار إلى أنّٰ الوزارة تعمل على توحيد المرجعية القضائية في جميع أنحاء الوطن، من خلال مسار تشريعي موحد يعكس رؤية وطنية شاملة، ويعيد الاعتبار لسلطة القانون باعتبارها الضامن الأول للعدالة والمساواة في أنحاء الجمهورية العربية السورية.
كما أبرز دور التحوّل الرقمي كأداة فعالة لتحقيق هذا الهدف، مؤكداً أن الوزارة تسعى لاعتماد منظومة إلكترونية متكاملة لتسهيل سير القضايا وتقليل التراكمات، مع توفير بيانات دقيقة وآنية تساعد في اتخاذ القرارات. وأشار إلى أن الوزارة عقدت سلسلة ورشات متخصصة بالتعاون مع وزارة الاتصالات والتقانة لوضع خطة شاملة للتحوّل الرقمي في القطاع القضائي.
ملاحقة مجرمي الحرب
أوضح الوزير أنَّ ملاحقة مجرمي الحرب وتحقيق العدالة الانتقالية من أبرز المسؤوليات التي تتحملها وزارة العدل في هذه المرحلة، وذكر أنّ العدالة الحقيقية لا تكتمل إلا بمحاسبة كل من تورط في ارتكاب انتهاكات جسيمة خلال النظام البائد.
وأردف أنَّ الوزارة تعمل بالتنسيق مع النيابة العامة والجهات المعنية على متابعة هذا الملف عبر إعداد البنية التحتية القانونية والمؤسسية اللازمة، مع التركيز على إصلاح المرفق القضائي لضمان استبعاد القضاة الذين ثبت تورّطهم في المحاكم الاستثنائية أو محاكم الإرهاب، باعتبار أن استمرار هؤلاء داخل المؤسسة القضائية يشكل عائقاً حقيقياً أمام تحقيق العدالة الانتقالية.
وأشار إلى أن جهاز النيابة بالوزارة يعمل على إعداد قوائم المتورّطين ومتابعة ملاحقتهم سواء على المستوى الداخلي أو عبر آليات التعاون الدولي، بما يضمن عدم إفلات أي مجرم من العقاب، ونحن بانتظار الإعلان عن تشكيل هيئة العدالة الانتقالية التي نعتبرها خطوة مفصليّة لرسم مسار وطني شامل.
إنصاف الضحايا واستعادة الثقة
وبشأن إنصاف الضحايا، قال الويس: إنَّ استعادة ثقة المواطنين بالقضاء يعد محوراً أساسياً في مشروع إصلاح العدالة خلال هذه المرحلة الانتقالية.
وأوضح أنَّ الوزارة شكّلت لجنة متخصصة للعمل على إلغاء مفاعيل المحاكم الاستثنائية التي أنشأها النظام البائد، ورفع الإجراءات التعسفية التي طالت آلاف المواطنين خارج إطار القانون.
وأضاف أنَّ الوزارة تركّز على تدريب الكوادر القضائية على آليات العدالة الانتقالية وتمكينهم من التعامل مع قضايا الانتهاكات الجسيمة وفقاً للمعايير المعتمدة، لضمان تحقيق العدالة للضحايا عبر إجراءات قانونية سليمة.
وأوضح الويس أنَّ الوزارة تعمل على وضع الآليات المناسبة لاستعادة الحقوق بسرعة ممكنة، دون الإخلال بضمانات المحاكمة العادلة، مما يسهم في تعزيز الثقة بالمؤسسة القضائية كمصدر لإنصاف المتضررين وحماية المجتمع من تكرار المظالم.
العدالة الاجتماعية ونزاهة القضاء
وفيما يتعلّق بمفهوم العدالة الاجتماعية، أكَّد الويس أنَّها ضرورة وطنية، موضحاً أنّ التسامح والعدالة الاجتماعية لا يتحققان إلا من خلال العدالة نفسها.
وقال: إنَّ العدالة عندما تأخذ مجراها، يبرد قلب المظلوم، ويرتدع الظالم، ويعتذر البعض طلباً لتخفيف العقوبة.
وأضاف: أنَّ الوزارة لا تؤمن بأي مسار خارج إطار القانون، مؤكداً أنَّ الدولة الجادة في تحقيق العدالة لا تحتاج إلى حسابات جانبية، بل إلى مؤسسات قوية تُنصف المظلوم وتُحاسب المجرم وفقاً لضمانات المحاكمة العادلة، من خلال ذلك، تستعيد الدولة هيبتها ويستعيد المواطن ثقته.
كما بيّن أنَّ حيادية القاضي ونزاهة المحكمة هما الأساس في أي نظام قضائي سليم، وأنَّ الوزارة تعمل على تكريس هذا المبدأ من خلال مجموعة من الإجراءات العملية التي تبدأ من داخل الجسم القضائي نفسه.
وتولي الوزارة أهمية خاصة لحماية القاضي من أي ضغوط قد تؤثر في قراراته، مؤكداً أن كفاية القاضي المالية هي شرط أساسي لتحصينه من الإغراءات والانحرافات، لذلك، تعمل الوزارة على تحسين الوضع المادي للقضاة ضمن أولويات الإصلاح، مما يعزز استقلالهم ويعكس مكانتهم في المجتمع.
وأضاف أنَّ الرقابة الداخلية ستتم من خلال تعزيز دور إدارة التفتيش القضائي لضمان فعالية دورها الرقابي والتقييمي بعيداً عن الاعتبارات الشكلية أو الإدارية، يهدف هذا إلى ضمان النزاهة ومعالجة مواطن الخلل وفق معايير شفافة وعادلة، مما يحافظ على هيبة القضاء ويحمي حقوق المتقاضين.
الإصلاح القضائي ومحاربة الفساد
وفيما يتعلّق بعملية الإصلاح وتحديث التشريعات، أكد الويس أن الوزارة تعمل على مراجعة القوانين الجزائية والمدنية بهدف الانتقال من العقوبة بوصفها ردعًا فقط إلى العقوبة بوصفها أداة إصلاح وتأهيل.
وأوضح أنَّ الوزارة تولي اهتماماً خاصاً بتعزيز الرقابة على إجراءات التوقيف وضبط مدد الاعتقال الاحتياطي، بحيث لا تتحول هذه الإجراءات إلى عقوبات غير مباشرة أو أدوات ضغط خارج نطاق القانون.
كما تجري الوزارة تقييماً لمدة السجن الطويلة وجدواها بهدف تحقيق التوازن بين الردع وتحقيق الهدف الإصلاحي.
وأشار إلى أنَّ المرحلة الحالية تتطلّب تشجيع الاستثمار وتهيئة بيئة قانونية جاذبة، مما يستدعي مراجعة التشريعات المدنية والتجارية لتبسيط الإجراءات وتوفير الضمانات القانونية التي تطمئن المستثمر والمواطن على حدّ سواء.
وأضاف أنَّ أجهزة الأمن الداخلي تُعدّ الضابطة العدلية للقضاء، ويقع على عاتقها تنفيذ الأوامر القضائية وضبط الجريمة وتقديم المتهمين للعدالة. ولذلك، فإن التنسيق مع هذه الأجهزة يُعد عنصراً ضرورياً لتحقيق العدالة بشكل فعّال وسليم.
كما أكَّد، أنَّ الوزارة تنظّم العلاقة مع الضابطة العدلية بما يحفظ صلاحيات القضاء، ويضمن تنفيذ الأذون والمراقبات والأوامر القضائية ضمن الأطر القانونية، فضلاً عن الإشراف على مراقبة السجون وأماكن التوقيف بالتنسيق مع الأجهزة المعنية لضمان احترام حقوق المحتجزين.
وشدد على أنَّ الوزارة لن تتسامح مع أيّ شكل من أشكال الفساد، سواء داخل جهاز القضاء أو خارجه، لأن الفساد يشكّل تهديداً لهيبة القضاء ولثقة المواطن في عدالة النظام، ومن هنا، تلتزم الوزارة بمكافحة الفساد بشكل حاسم.
وستعتمد الوزارة وِفق تصريحات الوزير على قوانين السلطة القضائية التي تكفل التعامل مع المتورطين وفقاً للإجراءات القانونية المتعارف عليها، بما في ذلك التأكيد على وجود آليات محاسبة شفافة تضمن عدم التستر على أي تجاوز والتأكيد على مكافحة الفساد وتحقيق العدالة النزيهة لكل مواطن وضمان توفير بيئة آمنة للمواطنين للإبلاغ عن أي تجاوزات.
تأهيل الكوادر القضائية
وفيما يتعلّق بتأهيل الكوادر القضائية، ذكر الويس أنَّ المعهد القضائي يُعدّ البنية الأساسية لتحقيق هذا الهدف.
وفي إطار تفعيل دور المعهد القضائي، ستُطلق الوزارة برنامجاً يهدف إلى تطوير مهارات القضاة وكافة العاملين في القطاع القضائي على أحدث النظم القانونية والإجرائية.
وأشار إلى أنَّ الوزارة ستنظّم ورشات عمل متخصصة بالتعاون مع الجهات المحلية والدولية المتخصصة، مع الاستفادة من التجارب القانونية العالمية.
كما ستولي الوزارة اهتماماً خاصاً بتزويد الكوادر القضائية بالمهارات اللازمة لمواكبة التحولات الحديثة، مثل المهارات التقنية والإلكترونية، وتقنيات التحكيم، وإجراءات التقاضي الحديثة.
وأضاف أنّ الوزارة ستجري تقييماً دورياً للكفاءات القضائية، وتوجههم إلى التدريبات النوعية التخصصية لضمان تأهيلهم المستمر بما يتناسب مع التّحديات القانونية الحديثة.
وفي ختام حديثه، وجه الوزير رسالة إلى القضاة والعاملين في السلك القضائي، قائلاً: “إن العدالة تستحق من القضاة تضحيات كبيرة، والوطن يستحق أن نقف جميعاً إلى جانبه لتحقيق مستقبل أفضل له ولأبنائه”.
وأكّد الوزير أن تحقيق العدالة والإنصاف في هذه المرحلة المفصلية سيكون أساساً في بناء سوريا الحرة، مشدداً على أنَّ القضاة هم المسؤولون عن تغيير وجه سوريا وصورتها من خلال إحلال العدالة وتحقيق الإنصاف.