الاثنين 13 ذو الحجة 1446 هـ – 9 حزيران 2025
دمشق
Weather
°22

في ذكراها العاشرة.. مجزرة الجانودية حاضرة في ذاكرة السوريين

مجزرة الجانودية بريف جسر الشغور 8 حزيران 2015

في مثل هذا اليوم من عام 2015 شهدت بلدة الجانودية في ريف جسر الشغور الشمالي مجزرة مروعة نفذتها طائرات النظام البائد، حيث استُشهد فيها أكثر من 60 شخصاً، إضافة إلى إصابة أكثر من 100 آخرين.

وتحول ذلك اليوم إلى ذكرى مأساوية في نفوس من عاش تلك اللحظات التي لا تنسى، وجاء الاستهداف بعد سلسلة انتصارات عسكرية حققتها فصائل المعارضة أهمها تحرير مدينة إدلب إلى جانب جسر الشغور قبل أيام قليلة.

شاهد عيان يروي

واستعاد ناشطون وذوو الضحايا مشاهد المجزرة، ورووا تفاصيلها المؤلمة، وقال الناشط مصطفى النجاري، وهو شقيق إحدى الضحايا وشاهد عيان على المجزرة، للإخبارية: “في صباح يوم الإثنين 8 حزيران 2015، وتحديداً عند الساعة العاشرة والنصف، كما هو معتاد في بلدة الجانودية بريف جسر الشغور الشمالي، كان الأهالي يتجمعون في الساحة الرئيسة لشراء حاجيات الفطور والغداء، إذ كان المكان يعجّ بالأطفال والنساء والرجال، في مشهد يوميّ مألوف، ولكنّ ذلك اليوم لم يكن كباقي الأيام، فلقد كانت اللحظة الأخيرة لكثيرين”.

وأضاف: “في تلك اللحظات، أقلعت طائرتان حربيتان باتجاه منطقة جسر الشغور، وكون أن تحرير المدينة قد مضى عليه شهران فقط، كان الحذر حاضراً، وكان صوت هدير الطائرات يملأ الأجواء، حتى صدر بشكل مفاجئ وسريع من المراصد المحلية لتتبع حركة الطيران تحذير يقول: “انتباه من الحربي، دخل أجواء مدينة جسر الشغور وريفها.. نفذ.. نفذ”.

وتابع: “سادت بعد ذلك حالة من الهدوء العام في المنطقة، إلى أن انطلقت أصوات صرخات الأمهات والآباء الذين شاهدوا بأعينهم رفات فلذات أكبادهم في الساحة العامة لبلدة الجانودية، متزامنة مع أصوات سيارات الإسعاف والسيارات المدنية التي سارعت لنقل الشهداء والجرحى، حيث كان المشهد أكبر من أن يُوصف بالكلمات”.

صرخات لا تُنسى

يقول النجاري عن ما شاهده: “لقد استُشهد أخي وأصيب والدي بجروح خطيرة جداً أدّت إلى نقله إلى المستشفيات التركية، فتلك اللحظات التي شاهدت فيها والدتي تقول لي: (أحمد راح)، بقيت محفورة في ذاكرتي إلى يومنا هذا، قبل أن أسرع إلى المستشفيات لأبحث عن والدي الذي لم نتمكن من معرفة إن كان مصاباً أو شهيداً لحظة وقوع الحادثة، إذ توجهت إلى العديد من المستشفيات كمشفى القنية ومشفى دركوش، التي كانت قد غصّت بأعداد الشهداء والجرحى”.

ويضيف: “دفن أخي الصغير أحمد، الذي لم يكن يبلغ من العمر 15 عاماً، في لحظة لم أكن متواجداً فيها لحضور الدفن، ففي تلك اللحظات كنت أبحث عن والدي حتى وجدته داخل إحدى سيارات الإسعاف بالقرب من المعبر الحدودي في بلدة هتيا بريف جسر الشغور الشمالي”.

وختم مصطفى شهادته بالتأكيد على ضرورة محاسبة من كان سبباً في تلك المجزرة، مؤكداً أن المحاسبة ليست مجرد خيار، بل هي واجب على كل السوريين لتضميد الجراح التي تستعيد ألمها مع عودة هذا التاريخ الذي لا يزال محفوراً في ذاكرة من كان حاضراً، ومن فقد عزيزاً، ومن كان شاهداً على المجزرة.

هول المشهد

وفي شهادةٍ أخرى لأحد الشهود على المجزرة، تحدث الناشط الإعلامي دريد حاج حمود للإخبارية، قائلاً: “من الصعب نسيان ذلك اليوم، فخلال لحظة واحدة، اختلطت الدماء بالدمار، وتحولت شوارع البلدة إلى أنهار من الدم والحزن، الذي رأيناه في عيون أهلها البسطاء وهم واقفون عاجزين أمام هول المشهد”.

وأضاف حمود أن الطيران الحربي استهدف الساحة الرئيسة وسط البلدة، حيث كانت تعج بالمدنيين والنازحين، وتسببت الغارة بدمار واسع في السوق الشعبي والمحال التجارية والمنازل، وخلّفت مشاهد مأساوية يصعب محوها من الذاكرة.

مشافٍ عاجزة

وأشار إلى أن قدرة المشافي التشغيلية في البلدة كانت محدودة جداً بسبب حالة الحرب والقصف المتكرر الذي كانت تتعرض له الجانودية والقرى المجاورة، وخاصة أن هذه المجزرة وقعت ضمن حملة قصف عنيفة كانت مستمرة منذ إعلان جيش الفتح التابع للمعارضة بدء عمليات تحرير محافظة إدلب.

وزاد: “كان يسقط خلال اليوم الواحد عشرات الشهداء والمصابين في مجازر متفرقة بأرجاء المحافظة، أما في منطقة جسر الشغور، التي تتبع لها بلدة الجانودية، فقد كانت الإصابات الخطيرة تُنقل إلى الأراضي التركية بسبب عجز المشافي المحلية عن استيعاب هذا العدد الكبير من المصابين، وافتقارها إلى الكوادر والمعدات الطبية المتخصصة”.

ويجمع سكان البلدة على أن المجزرة جاءت كنوع من الانتقام من المدنيين، بعد سلسلة الانتصارات التي حققتها فصائل المعارضة آنذاك، في تحرير مدينة إدلب وجسر الشغور قبل أيام فقط من المجزرة.

وكانت الجانودية آنذاك ملاذاً لآلاف النازحين الهاربين من قصف النظام ومعارك الاشتباك، نظراً لقربها من الحدود التركية وابتعادها النسبي عن الجبهات، ما جعل استهدافها بمثابة ضربة مزدوجة للأهالي والنازحين على حد سواء.