الثلاثاء 27 محرم 1447 هـ – 22 تموز 2025
دمشق
Weather
°30

لجنة تقصي الحقائق بأحداث الساحل: هناك إجراءات حقيقية لملاحقة المتورطين بارتكاب انتهاكات بحق السوريين

لجنة تقصي الحقائق في أحداث الساحل تكشف أبرز النتائج التي توصّلت إليها

قال المتحدث باسم اللجنة الوطنية للتحقيق وتقصي الحقائق في أحداث الساحل، المحامي ياسر الفرحان، خلال مؤتمر صحفي اليوم، الثلاثاء 22 تموز، إنه بمبادرة من الحكومة السورية وإيماناً منها ومن اللجنة بتعزيز الحق في الحقيقة، ننشر مضمون التحقيقات والنتائج الرئيسية.

وأشار إلى أن نص بيان المؤتمر الصحفي هذا، يشكل ملخصاً قابلاً للتداول ريثما تبت الرئاسة في كيفية التعامل مع باقي عناصر التقرير من النواحي الحقوقية والقضائية والأمنية والعسكرية والسياسية، وفقاً لما هو شائع في آليات وإجراءات التعاطي مع تقارير لجان التحقيق الوطنية والدولية.

وأوضح الفرحان أن اللجنة اعتمدت في أداء مهامها على الرصد العام والتقصي والتحقيق في الاعتداءات والانتهاكات المرتكبة، ضمن إطار ولايتها مكانياً في محافظات اللاذقية وطرطوس وحماة، وزمانياً للنظر في أحداث مطلع آذار وما يليها، وموضوعياً للبحث في الظروف والملابسات التي أدت إلى وقوع الأحداث، وللتحقيق في الانتهاكات التي تعرض لها المدنيون، والاعتداءات على المؤسسات الحكومية ورجال الأمن والجيش، وتحديد المسؤولين عن كل منها، وإحالة من يثبت تورطهم إلى القضاء.

ولفت إلى أن اللجنة تواصلت بشفافية مع السوريين والسوريات بشكل مباشر وعبر الإعلام، وعقدت اجتماعات متعددة ومفيدة مع مختلف أطراف المجتمع الأهلي والمدني وممثلي النقابات المهنية، ومعظم الشخصيات من النخب والأعيان والوجهاء.

وأكّد المتحدث أن اللجنة زارت 33 موقعاً، وعاينت أماكن الوقائع وكشفت على المقابر وأماكن الدفن المتعددة، ووصفت مشاهداتها بحضور المخاتير ورجال الدين وعدد من ممثلي العائلات، وعلى أرض الواقع عقدت اللجنة لقاءات عدة مع عشرات الشخصيات في كل من البلدات، واستمعت في جلسات منفصلة إلى الشهود من أفراد العائلات، ودونت 938 إفادة، لافتاً إلى أن 452 من الإفادات متعلقة بحوادث قتل، و486 متعلقة بالسلب المسلح أو السرقة أو حرق البيوت والمحال التجارية أو التعذيب.

وأكّد أن اللجنة أشركت سبع مساعدات قانونيات مختصات في عملها بتدوين الإفادات من الشريحة المتضررة من الطائفة العلوية، إضافة لثلاث سيدات من عائلات الضحايا شاركن اللجنة جلسات الاستماع في الرصافة.

وأوضح الفرحان أن اللجنة استمعت إلى 23 إحاطة وإفادة من مسؤولين في الجهات الرسمية، واستجوبت المشتبه بهم الموقوفين، واتّخذت الإجراءات اللازمة لإحالتهم إلى القضاء.

وكشف عن مشاورات مركزة أجرتها اللجنة مع الجهات الدولية المعنية في الأمم المتحدة من خلال اجتماعات رفيعة المستوى، مع مساعدة الأمين العام للشؤون الإنسانية، ورئيس وأعضاء وفريق اللجنة الدولية للتحقيق في سوريا، ومكتب المفوض السامي لحقوق الإنسان، ومكتب المبعوث الدولي إلى سوريا، إضافة إلى هيومان رايتس ووتش ومنظمة العفو الدولية، وناقشت اللجنة في اجتماعاتها ومراسلاتها آليات اعتماد أفضل السبل والمعايير والإجراءات الممكنة في التحقيق.

وبحسب الفرحان فقد اتبعت اللجنة الأصول القانونية المبينة في لائحة اختصاصاتها ومعاييرها للحفاظ على مبادئ الاستقلالية والحياد والموضوعية والمهنية والاتساق والشفافية، وعدم الإضرار والسرية وتوفير سبل حماية من يطلب من الشهود عدم الإفصاح عن بياناتهم الشخصية، وبما ينسجم مع إجراءات النزاهة التي ستتبعها الحكومة.

وفي السياق، أكّد الفرحان أنه بالرغم من التحديات الأمنية والمخاطر المحيطة بأماكن عمل اللجنة، المتعلقة بوجود فلول النظام فيها، استمرت اللجنة في أداء مهامها على أرض الواقع بوصول كافٍ لمواقع الأحداث وأماكن إقامة الشهود، فاكتسبت درجة معقولة من المصداقية لدى عائلات الضحايا، والأطراف الأممية المعنية.

وأوضح أن اللجنة وصفت من يطلق عليهم الفلول، بأنهم بقايا مجموعات مسلحة منظمة مرتبطة بنظام الأسد الفار، خارجة عن القانون وشرعية الدولة.

وبيّن المتحدث أن اللجنة بنت استنتاجاتها على الشبهة وليس على الدليل القاطع الذي يكون عادة في المحاكم، وأنها في سبيل عدم الإضرار لم تظهر أسماء المشتبه بهم وقد نظمت أسماءهم في جداول ملحقة بالتقرير، وأنها تكتمت على أسماء بعض الشهود الذين يخشون من كشف أسمائهم الصريحة.

وقال إن اللجنة فحصت المعلومات والوثائق والتقارير والإفادات والقرائن والأدلة الحسية والرقمية، وبنت استنتاجاتها على ما توصلت إليه من قناعات كوّنها أعضاؤها خلال فترة 4 شهور محددة بالنطاق الزمني لولايتها تتضمن فترة التمديد الصادر بقرار السيّد رئيس الجمهورية.

ولفت إلى أنه منذ أن تحررت سوريا من نظام الأسد وحتى بدايات آذار، غلبت في مناطق الساحل وعموم البلاد حالة من الهدوء، ولوحظ خلالها درجة مقبولة من سلوك عناصر الأمن العام والقوات الحكومية في الانضباط والالتزام بتعليمات وسياسات الدولة في حماية المدنيين، وبمساعيها في حفظ الاستقرار والسلم الأهلي.

وأضاف “بالرغم من عدم وقوع فوضى أو أعمال ثأرية واسعة، تعرضت مناطق عدة لانتهاكات مختلفة بحق المدنيين، ولأعمال عدائية تعرضت لها القوات الحكومية، وفي 6 آذار الماضي نفذ الفلول سلسلة عمليات عدائية واسعة، استهدفوا فيها بالأسلحة الثقيلة والمتوسطة والخفيفة مقرّات الجيش والأمن العام، والحواجز والدوريات التابعة لها، وقطعوا الطرقات الرئيسية، وقتلوا حسبما توصلت له اللجنة 238 شاباً من عناصر الأمن والجيش في محافظات اللاذقية وطرطوس وحماة”.

وأشار إلى أن بعضهم قتلوا بعد أن ألقوا سلاحهم نتيجة لمفاوضات جرت بوساطة الوجهاء، وبعضهم قتلوا وهم جرحى يتلقون العلاج، وبعضهم قتلوا وهم أسرى، ودفن الفلول بعضهم في مقبرة جماعية، واستهدفوا الطرق العامة والمستشفيات، وأخرجوا 6 منها عن الخدمة، وقتلوا عدداً من المدنيين السنّة وفقاً لمعلومات تبلغتها اللجنة، ولم تتمكن من تدوين بياناتهم وفقاً لمعاييرها .

وقال الفرحان: “من خلال إفادات الشهود من عائلات الضحايا وأهالي المنطقة والموظفين الحكوميين، ومحاضر استجواب الموقوفين، وبفحص الأدلة الرقمية وقرائن وأدلة أخرى، توصلت اللجنة إلى أسماء 265 من المتهمين المحتملين المنضمين إلى مجموعات المسلحين المتمردين الخارجين عن القانون المرتبطين بنظام الأسد والشائع تسميتهم بالفلول، وممن توفرت لدى اللجنة أسباب معقولة للاشتباه بتورطهم في جرائم وانتهاكات جسيمة”.

وأشار إلى أنه بعد سيطر الفلول بشكل كامل أو جزئي على المدن والبلدات والقرى والطرقات، وأطبقوا الحصار على باقي المقرّات الحكومية، كان الهدف فصل الساحل عن سوريا، وإقامة دولة علوية بتخطيط وتمويل وإعداد وتنفيذ من قبل مجموعات مدربة مترابطة ضمن هيكلية شاقولية وأفقية وفقاً لتحقيقات اللجنة.

وأكّد أن تحركات القوات الحكومية والفصائل وقوات عسكرية أخرى جاءت بعد هذا المخطط، واندفعت بشكل عشوائي مجاميع الفزعات الشعبية ومجموعات أخرى، فازدحم الطريق الدولي بما يزيد على مئتي ألف مسلح يتحركون باتجاه مناطق سيطرة الفلول لاستعادتها.

وتابع بالقول: “فجر يوم الجمعة الواقع في 7 آذار، ومن بعض القرى المرتفعة والمطلة على الطريق، استهدف الفلول بأسلحتهم الرتل العسكري وقوافل الفزعات وسيارات المدنيين المارة، فقضى على إثر ذلك عدد من العسكريين والمدنيين، الأمر الذي تسبب في مزيد من العشوائية، فاضطرت القوات الحكومية إلى تشكيل مجموعة لفتح الطريق في محاولة للحدّ من العشوائية”.

وزاد بالقول: “في صباح يوم الجمعة بدأت مجموعات مسلحة دخول أحياء عدد من القرى والبلدات وبيوتها، وتعرض الأهالي لحملات تفتيش متتالية منضبطة في بعضها، وعشوائية منفلتة في بعضها الآخر وفيما لاحظت اللجنة ارتياحاً غالباً لدى الأهالي تجاه سلوك عناصر الأمن العام، تحققت من انتهاكات جسيمة واسعة تعرض لها المدنيون أيام 7 -8 – 9 آذار الماضي”.

وأكّد أن اللجنة تحققت من أسماء 1426 قتيلاً، منهم 90 امرأة والبقية معظمهم مدنيون، وبعضهم عسكريون سابقون أجروا تسويات مع السلطات المختصة، وبالرغم من عدم استبعاد وجود عدد من عناصر الفلول بين القتلى، ترجح اللجنة أن معظم حوادث القتل وقعت خارج أو بعد انتهاء المعارك العسكرية.

وأوضح أن اللجنة اطّلعت من مصادر مفتوحة على أعداد إضافية من القتلى لم تتحقق من صحتها بسبب عدم ورود أسمائهم في كشوفات المقابر أو إفادات الشهود الذين استمعت إليهم، كما تبلغت اللجنة بمعلومات حول 20 شخصاً من المفقودين بعضهم مدنيون وبعضهم من عناصر القوات الحكومية.

وأضاف أن إفادات الشهود تتواتر فيها أقوال حول السلوك المتباين للمجموعات وللأفراد ضمن المجموعة الواحدة، فيما ارتكب بعضهم فظاعات مروعة، تعامل بعضهم باحترام، الأمر الذي يدعو مع أسباب أخرى معقولة اللجنة للاعتقاد بأن الانتهاكات رغم أنها واسعة لم تكن منظمة.

وأشار إلى أن اللجنة بحثت في أسباب تعرض هذه القرى للانتهاكات المروعة التي شهدتها، مقارنة مع مناطق أخرى يسكنها العلويون السوريون ولم تتعرض لانتهاكات، ولاحظت أن القرى المستهدفة تطل في معظمها على الطريق الدولي، كما لاحظت في بعض شهادات عائلات الضحايا أن الفلول استخدموا هذه المناطق لاستهداف العناصر الحكومية.

وقال إن اللجنة ركزت في تحقيقاتها على تقصي هوية الفاعلين وخلفيتهم بوسائل متعددة منها سؤال العائلات والاستماع لمئات الشهادات من ذوي الضحايا، وباستجابة وزارة الدفاع إلى طلب اللجنة في التعرف على الأشخاص في الصور والفيديوهات المحددة من قبلها، توصلت إلى معرفة 298 شخصاً بأسمائهم الصريحة من المشتبه بتورطهم في انتهاكات وهذا الرقم يبقى أولياً.

وبيّن أنه من خلال فحص الأدلة الرقمية وبمساعدة مميزة من وزارة الدفاع، توصلت اللجنة إلى تحديد أفراد ومجموعات يرتبطون ببعض المجاميع والفصائل العسكرية من مجمل القوات المشاركة، وترجح اللجنة بأن هؤلاء الأفراد والمجموعات خالفوا الأوامر العسكرية ويشتبه بارتكابهم انتهاكات بحق المدنيين.

وبحسب المتحدث، فقد لاحظت اللجنة في تحقيقاتها أن سلسلة التدابير والتعليمات والأوامر الصادرة من رئيس الجمهورية ومن وزيري الدفاع والداخلية – قبل وخلال وبعد أحداث آذار 2025؛ ركزت على حماية المدنيين، وعلى الالتزام بالقوانين، وأن درجة واسعة من الانضباط تميزت بها القوات الحكومية، وبأن جهوداً حثيثة بذلتها الدولة للحدّ من الانتهاكات، وبأن أفراداً متهمين أحيلوا للمساءلة.

وأكّد أن اللجنة لاحظت أن اندماج الفصائل تحت هيكلية وزارة الدفاع ما زال في بعضه شكلياً، واتسم بأنه لم ينظم ويستكمل بعد، وأنه جرى بهذه الصورة، بوصفه حالة من الضرورة لتغطية الفراغ الذي أحدثه حل جيش نظام الأسد المتورط بإبادة المدنيين، وأن سيطرة الدولة الفعلية خلال الفترة المستهدفة بالتقرير كانت جزئية وأحياناً منعدمة، وأنها ما تزال في مرحلة إعادة بناء مؤسسات الأمن والجيش.

ولفت إلى أن اللجنة تدرك أن قرار رئيس الجمهورية بإحداثها لإجراء تحقيقات مستقلة، وتأكيده عزم الدولة على المضي بإجراءات محاسبة المتورطين وإنصاف الضحايا، يعبر عن استجابة الدولة لمعالجة الانتهاكات، وتفصح اللجنة عن واقع ما لمسته من التزام لدى الجهات الحكومية باستقلاليتها وبتقديم كل المعلومات التي تطلبها لأغراض معرفة الحقيقة.

وأوضح الفرحان أن اللجنة لاحظت الحاجة إلى مواءمة القوانين الوطنية مع الاتفاقيات الدولية المصادق عليها في سوريا، وفقاً لمقتضيات الإعلان الدستوري وأحكامه، الأمر الذي يستدعي استكمال إجراءات تشكيل السلطة التشريعية.

وطالب أي شخص لديه معلومات تفيد بقيام أشخاص بارتكاب انتهاكات في أحداث الساحل أن يقدّمها، مؤكداً وجود إجراءات حقيقية وتتم ملاحقة الذين تورطوا بارتكاب انتهاكات بحق الشعب السوري، والمضي في المحاسبة على أساس القانون، هو ما سيمنع أي أعمال ثأرية.