أطلقت الفعاليات المحلية بالتعاون مع الجهات الحكومية في مدينة جسر الشغور غرب إدلب، مبادرة مجتمعية بهدف بدء العمل على رفع أنقاض المشفى الوطني الذي دمره النظام البائد، وتنظيم حملة مناصرة لجلب الدعم لترميمه.
وتمثل هذه المبادرة خطوة مهمة في سبيل ترميم البنية التحتية الطبية في ريف إدلب الغربي، ولا سيما أن المشفى الوطني يعد صرحا طبيا ضخما كان يغطي احتياجات مئات الاف العائلات في المنطقة.
المشفى بين براثن النظام وتحريره
يعد مشفى جسر الشغور الوطني، قبل انطلاق الثورة السورية، من أبرز المراكز الصحية في المنطقة، إلا أن النظام السوري البائد عمد خلال السنوات الأولى للثورة السورية، إلى تدمير هذا المرفق الحيوي عبر الغارات الجوية، بعد أن تمكنت فصائل المعارضة من تحريره عام 2015.
ومع اشتداد المعارك حينها اتخذ عناصر النظام البائد من المشفى مقرا عسكريا بعدما هربوا من نقاط تمركزهم المحيطة، وحاصرتهم فصائل المعارضة هناك.
وبعد انسحاب قوات النظام البائد منه عقب معارك، أصبح هدفا لطائراته التي دمرت كل شيء في المشفى ما أدى في النهاية لتدميره تدميراً شبه كامل، وأصبح المشفى خارج الخدمة، ما حرم المواطنين من دوره الأساسي في تقديم الرعاية الصحية لأهالي المنطقة.
تفاصيل المبادرة المجتمعية
بدأت في مدينة جسر الشغور مبادرة مجتمعية تطوعية برعاية مسؤول منطقة جسر الشغور يوسف عبد العال، ورئيس البلدية ركان مامو، تهدف إلى ترميم المشفى الوطني وإعادته إلى الخدمة، بمشاركة واسعة من الأهالي، وبدعم من المؤسسات الحكومية، والمنظمات الانسانية، والدفاع المدني السوري، حسب ما أفاد رئيس البلدية لموقع الإخبارية.
وأوضح “مامو” أنهم قسموا المبادرة إلى ثلاث مراحل رئيسة، حيث شملت المرحلة الأولى تقييم الأضرار وإعداد الدراسات والخطط الهندسية اللازمة، وقد أُنجزت بالفعل بدقة واحترافية.
أما المرحلة الثانية ستبدأ في 20 أيار الجاري، وتركز على إزالة الركام والأنقاض وترحيلها إلى أماكن مخصصة لإعادة التدوير، ومن المتوقع أن تستمر لأكثر من أسبوع.
وتتضمن المرحلة الثالثة إقامة فعالية ترويجية واسعة لدعوة المؤسسات والمنظمات والجهات الإعلامية حيث سيسلط الضوء على المبادرة وكسب المزيد من الدعم.
وقال “مامو” إن عملية ترميم وتأهيل مشفى جسر الشغور الوطني “ليست بالأمر البسيط” وذلك لضخامة حجم المبنى من جهة حيث يبلغ مساحة الطابق الواحد أكثر من 5000 متر مربع، وتعمّد النظام البائد تدمير المبنى لحرمان أهالي المنطقة من الخدمات الطبية بعدما تمكنوا من تحريره.
لماذا المشفى الوطني تحديدا؟
قال المدير السابق للمشفى الدكتور محمد كلثوم لموقع الإخبارية، إن المشفى له أهمية بالغة حيث افتُتِح عام 2006، ليكون مقصدا طبيا لسكان ريف إدلب الغربي والمناطق المحيطة.
وأضاف “كلثوم” إن خدمات المشفى كانت تغطي مساحة جغرافية واسعة تشمل ريف جسر الشغور الشمالي حتى دركوش ومنطقة الضهر، وريف الجسر الغربي وصولاً إلى خربة الجوز وبلدات بداما والناجية، إضافة إلى ريف جسر الشغور الجنوبي المرتبط بسهل الغاب في ريف حماة الشمالي، ومناطق جبل الزاوية حتى مدينة أريحا، فضلًا عن كامل منطقة الجبل الوسطاني.
وتابع حديثه مبرزاً أهمية إعادة تأهيل المشفى كونه المنشأة الصحية الحكومية الوحيدة في هذه المنطقة ذات الكثافة السكانية العالية، ما يجعله خط الدفاع الأول في تقديم الرعاية الطبية الطارئة، فبُعده الجغرافي عن باقي المراكز الطبية هو خطر حقيقي على حياة المرضى في الحالات الحرجة، فضلًا عن الأعباء المالية التي تترتب على الأهالي عند الحاجة للعلاج خارج المنطقة.
وكان المشفى يحوي العديد من الأقسام الحيوية مثل: الداخلية (رجال ونساء) والعناية الإسعافية والمشددة والجراحة العامة والنسائية والأطفال والحواضن وغسيل الكلى والإسعاف والأشعة مع جهاز طبقي محوري والمخبر، إضافة إلى أقسام الأذنية والعينية والعيادات الخارجية، ما يجعله مركزًا متكاملًا يقدم خدمات طبية شاملة للسكان.
وأكد رئيس البلدية ركان مامو، أن إعادة تفعيل المشفى لها أهمية بارزة كونه المنشأة الطبية الوحيدة في منطقة ذات كثافة سكانية عالية، حيث ازداد الضغط على الخدمات الطبية مع عودة عدد كبير من المهجّرين، وظهور احتياجات ملحّة للفئات الأكثر ضعفًا، ولا سيما الأطفال والنساء وكبار السن والمصابين بأمراض مزمنة.
وأشار مامو إلى أن المشروع يساهم في خلق فرص عمل وخفض مستوى البطالة ورفع سوية الخدمات الطبية، كذلك تأمين خدمات تدريب وتأهيل للكفاءات الطبية الشابة، ما يرفع من المستوى الاقتصادي والاجتماعي للمنطقة، ويساعد على الاستقرار.
وتمثل المبادرات المجتمعية ركيزة أساسية في عمليات إعادة تأهيل المناطق والبنية التحتية المدمرة في البلاد، وتعكس صورة التكافل بين الحكومة والمواطنين للنهوض بالواقع والتطلع نحو مستقبل أكثر استقرارا.