السبت 8 صفر 1447 هـ – 2 آب 2025
دمشق
Weather
°19.7

محلل روسي للإخبارية: زيارة الشيباني إلى موسكو تحوّل من التبعية إلى الشراكة الندية

وزير الخارجية والمغتربين أسعد الشيباني

تشكل زيارة وزير الخارجية والمغتربين أسعد الشيباني إلى العاصمة الروسية موسكو، ولقاءه نظيره الروسي سيرغي لافروف والرئيس الروسي فلاديمير بوتين، لحظة تاريخية في العلاقة بين البلدين، بحسب ما وصفتها إدارة الإعلام في وزارة الخارجية والمغتربين.

وأشارت دائرة الإعلام إلى أن اللقاءات التي عقدها الوزير الشيباني مع المسؤولين الروس، تؤكد على انطلاق مرحلة جديدة من التفاهم السياسي والعسكري أساسها احترام سيادة سوريا ودعم وحدة أراضيها.

وتعد زيارة الشيباني إلى موسكو مؤشراً على تحوّل نوعي في طبيعة العلاقة بين البلدين، وانتقالها من مرحلة التحالفات التقليدية القائمة على الولاء والدعم اللامشروط في عهد النظام البائد، إلى مرحلة جديدة تتسم بالتوازن والشراكة الندية.

السياسة السورية الجديدة: نضج وواقعية

يرى المحلل السياسي والمختص بالعلاقات الروسية العربية ديمتري بريجع في حديث لموقع الإخبارية، أن الإدارة السورية الحالية، برئاسة السيّد الرئيس أحمد الشرع، تتعامل مع العلاقة مع روسيا بواقعية سياسية وهدوء استراتيجي مغاير تماما لما كانت عليه في فترة حكم النظام المخلوع، حيث كانت العلاقة تقوم على دعم غير مشروط وولاءات شخصية.

ويؤكد بريجع أن السياسة السورية اليوم لا تعتمد على صفقات أمنية أو علاقات تبعية، بل تنتهج شراكات مدروسة تستند إلى احترام السيادة الوطنية والمصالح المتبادلة، موضحا أن دمشق، وعلى الرغم من إسقاط النظام البائد، لم تتخذ أي إجراءات سلبية تجاه المصالح الروسية في البلاد، بل أبدت انفتاحا واضحا للحفاظ على العلاقة مع موسكو ضمن إطار شراكة جديدة تعكس نضجا سياسيا ووعيا بالتوازنات الإقليمية والدور الروسي في ملفات الأمن والطاقة ومكافحة الإرهاب.

من التبعية إلى السيادة والتحالف

ويعتبر بريجع أن العلاقة بين البلدين تمر حاليا بمرحلة إعادة هيكلة، بعد أن تجاوزت دمشق حالة الارتهان السياسي لروسيا وإيران في عهد النظام البائد، وباتت تسعى لتأسيس شبكة تحالفات متوازنة قائمة على القدرة على المناورة الذكية، لا على الاصطفاف الأيديولوجي أو التبعية.

وأكد المحلل أن موسكو تدرك أن خسارة علاقتها مع سوريا تعني فقدان موقع جيوسياسي استثنائي في شرق المتوسط، ومنصة استراتيجية للتأثير في الشرق الأوسط.

ويشير بريجع إلى أن روسيا تحاول اليوم إعادة تقديم وجودها العسكري في سوريا ضمن خطاب جديد يركّز على الدور الإنساني والمساهمة في إعادة الإعمار، ما يدل على استعدادها لتعديل قواعد العلاقة بما يتناسب مع المتغيرات الداخلية والإقليمية، في مقابل سعي سوري واضح لتحويل العلاقة من علاقة راع ومرعي إلى علاقة شراكة ندية قائمة على مراجعة الاتفاقات السابقة، وهو ما عبّر عنه الوزير الشيباني بوضوح خلال زيارته إلى موسكو.

إعادة ترتيب القواعد الروسية

وحول ملف القواعد العسكرية الروسية في سوريا، أشار بريجع إلى وجود مفاوضات متقدمة في الكواليس، تهدف إلى إعادة صياغة شرعية هذه القواعد، وفي مقدمتها قاعدتا حميميم وطرطوس، اللتان أُنشئتا ضمن ظروف استثنائية خلال فترة حكم النظام البائد.

ويرى أن دمشق لا تسعى لطرد القوات الروسية، وإنما لإعادة تعريف حدود أدوارها ونطاق مهامها، بما يحفظ السيادة السورية ويعكس المصالح الوطنية الجديدة.

ويضيف أن الخطاب الروسي الذي يتحدث عن تحويل بعض القواعد إلى مراكز دعم إنساني وضمان استقرار إقليمي، يكشف عن استعداد موسكو لتقديم تنازلات رمزية وواقعية تضمن استمرار وجودها ضمن صيغة جديدة لا تثير الحساسية الداخلية أو الإقليمية، موضحا أن التفاهم المحتمل قد يتضمن شروطا جديدة بشأن مدة الوجود، طبيعة النشاط العسكري، ومشاركة القواعد في مشاريع مدنية ولوجستية مشتركة.

التوازن وعدم الانحياز

وعن قدرة سوريا على الحفاظ على سياسة خارجية متوازنة وعدم الانحياز لأي محور دولي، اعتبر بريجع أن هذا هو التحدي الأكبر أمام الدبلوماسية السورية في المرحلة الراهنة، وهو أيضا ما يميّزها عن حقبة النظام البائد.

وشدد بريجع على أن الانحياز لطرف دولي واحد في عالم متعدد الأقطاب يضعف هامش المناورة ويفقد البلاد قدرتها على حماية مصالحها الوطنية.

ويصف بريجع السياسة السورية الحالية بأنها قائمة على الانفتاح المتوازن، حيث تواصل دمشق علاقاتها مع موسكو دون التورط في صراعاتها مع الغرب، وتقترب من الدول العربية دون التخلي عن القضية الفلسطينية أو الثوابت السيادية، كما تبدي استعدادا لحوار مبدئي مع الغرب في ملفات اللاجئين والاقتصاد دون تقديم تنازلات في القضايا الدستورية.

ويؤكد أن هذه السياسة تتطلب قدرا عاليا من الدبلوماسية المرنة، وقيادة مستقلة القرار، وإذا استمر هذا النهج، فإن سوريا قادرة على التحول من ساحة تنازع إقليمي إلى مركز توازن سياسي، ومن بلد متلق للنفوذ إلى لاعب فاعل في هندسة الاصطفافات الإقليمية والدولية.

ويختم بريجع بالتأكيد على أن زيارة الشيباني إلى موسكو ليست زيارة بروتوكولية، بل لحظة رمزية تحمل دلالات استراتيجية عميقة، إذ تؤسس لعلاقة جديدة بين دمشق وموسكو تقوم على الرؤية المستقبلية لا على إرث الماضي، وتمنح سوريا هامشا أوسع لرسم سياستها الخارجية واستعادة موقعها في المشهد الدولي المتغيّر بسرعة.