شهدت فعالية المنتدى الاستثماري السوري السعودي التي انطلقت في قصر الشعب بالعاصمة دمشق وبحضور السيّد الرئيس أحمد الشرع وبمشاركة وفود رسمية من كلا البلدين، توقيع 47 مذكرة تفاهم استثمارية بقيمة بلغت 24 مليار ريال سعودي.
ويأتي المنتدى تتويجاً لمسار سياسي واقتصادي مشترك بدأ يتبلور منذ إعادة افتتاح السفارة السعودية في دمشق، وقد تميّز الحدث بحضور نوعي واهتمام كبير من قبل الشركات والمستثمرين السعوديين، الذين عبّروا عن رغبتهم في استكشاف الفرص المتاحة في السوق السورية.
وأكّد المستشار في الأسواق المالية سعود الرحبي، في حديث خاص لموقع الإخبارية، أن المنتدى الاستثماري السوري السعودي يعكس رغبة إقليمية واضحة في استقرار سوريا، لافتاً إلى أن انعقاده في دمشق يُعدّ مؤشراً على بدء مرحلة جديدة من التعاون الاقتصادي القائم على المصالح المشتركة والثقة المتبادلة.
فرص استثمارية جديدة
يساهم المنتدى الاستثماري السوري السعودي في فتح آفاق تعاون جديدة تنعكس على اقتصاد سوريا بعد سنوات من العزلة، حيث يوفّر هذا الحدث منصة لتوقيع اتفاقيات وصفقات استثمارية حقيقية تؤسس لشراكات طويلة الأمد بين الجانبين، وفق ما أشار إليه الرحبي.
ونوّه إلى أن المنتدى يعزز مناخ الثقة بين الفاعلين الاقتصاديين في البلدين، ويمهّد الطريق أمام تبادل اقتصادي يعوّض سنوات الانقطاع، من خلال بناء قنوات تواصل مؤسسية دائمة بين القطاعات العامة والخاصة.
وبحسب الرحبي، فإنّ المنتدى يساعد على استكشاف فرص استثمارية جديدة، وتحديد القطاعات التي تمثل أولوية في عملية إعادة الإعمار، ولا سيّما في مجالات الصناعة والطاقة والزراعة والبنية التحتية.
وأشار المستشار في أسواق المال إلى الطابع التحفيزي الذي يحمله المنتدى للقطاع الخاص السوري والسعودي على حدّ سواء، من خلال تشجيع تأسيس شركات مشتركة وتسهيل حركة رؤوس الأموال والخبرات، بما يؤدي إلى خلق بيئة عمل أكثر ديناميكية وتنافسية.
واعتبر الرحبي أن المنتدى الاستثماري السوري السعودي يوجّه رسالة واضحة للمجتمع الدولي مفادها أن استقرار سوريا لم يعدّ مجرد مطلب داخلي، بل أصبح مصلحة إقليمية مشتركة، الأمر الذي قد يشجع دولاً أخرى على المشاركة في عملية الإعمار ورفع القيود الاقتصادية تدريجياً.
جوانب الاستثمارات السعودية
يشير المستشار سعود الرحبي إلى أن الاستثمارات السعودية في الاقتصاد السوري تشمل أبعاداً متداخلة، تبدأ من دعم إعادة الإعمار، ولا تنتهي عند حدود الاستثمار المباشر، بل تتجاوز ذلك لتشمل التنمية المستدامة وتوطين التكنولوجيا والإدارة الحديثة.
وساهم المنتدى الاستثماري السوري السعودي في إعادة بناء البنية التحتية التي تضررت بشكل بالغ خلال فترة حكم نظام الأسد البائد للبلاد، وخصوصاً في قطاعات الطاقة والنقل والإسكان، وهو ما تجسّد عملياً في الاتفاق على إنشاء مصنع للإسمنت الأبيض في مدينة عدرا الصناعية، إضافة لتحضيرات سيبنى أساسها مصانع في ذات القطاع، وفقاً لرؤية الرحبي.
واعتبر الرحبي أن هذه الاستثمارات نقطة محورية في تعزيز الاستقرار الاقتصادي، على اعتبارها تعزز الإنتاج المحلي، من خلال دعم القطاعين الصناعي والزراعي، بما يقلل من الاعتماد على الواردات ويرفع من نسبة الاكتفاء الذاتي، أضافة إلى توفير المشاريع الاستثمارية السعودية فرص عمل واسعة في مختلف القطاعات، ما يسهم في الحدّ من البطالة وتحسين مستوى الدخل، ويعيد دوران عجلة الاقتصاد المحلي بشكل تدريجي.
وفي سياق مقارب، قال الرحبي إنّ الاستثمارات السعودية تُعدّ محفّزاً مهماً لجذب مستثمرين آخرين من دول الخليج والمنطقة العربية، نظراً لما تحمله من دلالات على الثقة في السوق السورية، وقدرتها على تحقيق العوائد المرجوّة.
وحول المشاريع السعودية الحديثة قال الرحبي إنها ستنقل خبرات إدارية وتقنية متطورة اكتسبتها المملكة في مسيرة رؤيتها التنموية، إلا أن الحديث حول مدى نجاح هذه الاستثمارات مرتبط بعوامل متعددة من بينها حجم الالتزامات المالية، واستقرار البيئة التشريعية، وتوفير الضمانات الكافية للمستثمرين، إضافة إلى القدرة على تجاوز العقوبات الغربية.
العلاقات الاقتصادية السورية السعودية
يُقيّم المستشار سعود الرحبي العلاقات الاقتصادية السورية السعودية بأنها تمر بمرحلة إعادة بناء بعد سنوات طويلة من الجمود، معبّراً عن تفاؤله بإمكانية استعادة جزء كبير من النشاط الاقتصادي الذي كان قائماً بين البلدين قبل عام 2011.
ويشير الرحبي إلى أن حجم التجارة الثنائية بين البلدين كان قد بلغ ذروته في عام 2010 بنحو 1.3 مليار دولار، إلا أن هذا الرقم تراجع بشكل حادّ خلال السنوات التالية، نتيجة الانقطاع الدبلوماسي والاقتصادي الكامل.
ولفت المستشار إلى أن إعادة فتح السفارة السعودية في دمشق شكّلت نقطة تحوّل في العلاقات، وأسساً لعودة تدريجية في النشاط التجاري، مضيفاً أن العلاقات الحالية تتميّز بإرادة سياسية واضحة من الطرفين لتجاوز عقبات الماضي، وتحقيق مكاسب متبادلة على المدى المتوسط والبعيد.
وأشار الرحبي إلى وجود تحديات لا تزال تعرقل تحقيق الإمكانات الكاملة للتعاون الاقتصادي، وفي مقدمتها الظروف المعيشية والاقتصادية الصعبة في سوريا، إضافة إلى القيود المفروضة من جانب بعض الدول الغربية.
ودعا الرحبي في ختام حديثه لموقع الإخبارية إلى ضرورة تفعيل الاتفاقيات الاقتصادية السابقة، وتحديث الأطر التنظيمية التي تحكم العلاقات الثنائية، مع التركيز على قطاعات ذات أولوية عالية في المرحلة المقبلة مثل النقل والطاقة والمصارف والبنية الرقمية، معتبراً أن نجاح التعاون السوري السعودي يتطلب أيضاً مواكبة إعلامية ومؤسساتية مستمرة تبرز الإنجازات المحققة، وتعيد بناء الثقة لدى الرأي العام والمستثمرين المحليين والدوليين، بما يرسّخ دور السعودية كشريك إستراتيجي في الاقتصاد السوري.