على مدار السنتين السابقتين لتحرير ريفي حلب وإدلب، شهدت جبهات القتال ضد نظام الأسد البائد تحولاً ملحوظاً في مسار العمليات، حيث انتقلت فصائل الثورة من مرحلة الدفاع إلى تنفيذ هجمات معدّة بدقة ومباغتة، اعتمدت على تدريب متقن والاستفادة من دروس حروب حديثة وتاريخية.
ومع اقتراب موعد إطلاق عملية “ردع العدوان”، كانت الخطط قد نضجت، وأصبحت القوات جاهزة لتطبيق تكتيك يوازن بين التفوق العددي والعتادي للعدو، معتمداً في ذلك على نوعية المقاتل وقدرته على المناورة والاختراق.
وفي اليوم الرابع من العملية، تجلّت ثمار هذا الإعداد على أرض المعركة، كما يروي العميد محمد الخطيب، قائد الفرقة 44، موضحا في تصريح خاص للإخبارية، الآلية التي قامت عليها خطة التقدّم، وكيف تمكّنت قوات “ردع العدوان” من تحقيق اختراق سريع في واحدة من أصعب الجبهات شمال غربي سوريا.
وقال إن التقدم الواسع ذلك اليوم اعتمد على تكتيك جرى تطويره بدقة عبر مراحل طويلة سبقت المعركة، بدءاً من عام 2022 تقريباً.
وأطلقت النقاشات داخل قيادة الجيش الجديد حول أشكال العمليات الهجومية المناسبة بعد اكتمال بناء قاعدة دفاعية صلبة وفعّالة، وفقا للخطيب.
وأوضح أن بناء هذه القاعدة الدفاعية شكل الخطوة الأولى التي مكّنت من الانتقال إلى مرحلة التخطيط الهجومي، إذ وفّرت قدرة على امتصاص أي محاولة اختراق معاكسة، وزرعت ثقةً بأن الوقت قد أصبح مناسباً لتنفيذ عمليات واسعة النطاق.
وعن بلوغ هذه المرحلة، أكد أنه أصبح من الضروري اعتماد تكتيك محدد يمكن تطبيقه عبر جميع مراحل الهجوم، وهو ما استلزم دراسة معمقة للواقع الميداني، خاصة أن القوة النارية والعددية كانتا أقلّ من قدرات العدو، في حين تمثلت نقطة التفوق الأساسية في نوعية المقاتل وعلوّ روحه المعنوية واستعداده للتضحية، وهو ما اعتبر العامل الحاسم في معادلة موازنة الفارق العددي والعتادي.
ويشرح العميد كيف أن هذا التكتيك استند إلى دراسة مستفيضة لتجارب عسكرية متنوعة حول العالم، كما يذكر الخطيب، بما في ذلك حروب تاريخية تمكّنت فيها قوات صغيرة من السيطرة على مساحات شاسعة في وقت قياسي.
وأوضح أن أبرز النماذج التي جرى تحليلها، هي تجربة القوات الألمانية في الحرب العالمية الثانية وآلية تمددها السريع داخل أوروبا، مع التركيز على المنهجية التي اتبعتها في الاختراق والالتفاف والتطويق.
ويوضح العميد أن هذا الأسلوب يقوم على مبدأ الانسياب عبر الأرض كما يجري الماء، أي اختيار المسارات السهلة والضعيفة، وتجنب الاصطدام بالنقاط المحصنة، ثم الالتفاف عليها لقطع خطوط الإمداد، قبل التوجه مباشرة نحو العمق، حيث توجد مراكز إدارة الدفاع، انطلاقاً من أن ضرب “العقل” يُحدث تلقائياً انهياراً كاملاً في الجسد العسكري.
ويضيف الخطيب: “في اليوم الرابع من العملية، جرى تطبيق هذه المبادئ بشكل كامل، مع التركيز على إحداث اختراق سريع وتوسيع رقعة التقدم دون التوقف عند أي تحصين أو موقع يشكّل عائقاً”. وعلى محور حلب، انطلق الهجوم من مطار النيرب العسكري، وهو نقطة استراتيجية حسّاسة شكّلت منصة انطلاق باتجاه مناطق أكثر عمقاً.
وفي الوقت نفسه، كانت محاور أخرى تتحرك بشكل متوازٍ نحو خان شيخون ومعرّة النعمان وريف إدلب الجنوبي الشرقي، مما أسهم في تشتيت منظومة العدو وإرباك خطوط دفاعه.
وقد أتاح اعتماد هذا الأسلوب في التقدم للوحدات القتالية تجاوز الدفاعات الأولى بسرعة، والوصول إلى المناطق التي يتحكّم العدو عبرها بالخطوط الأمامية. وعند بلوغ تلك النقاط، فقدت المواقع الدفاعية الأمامية قيمتها الميدانية، وانعدمت قدرتها على الصمود أو إعادة التموضع، مما عجّل بعملية الانهيار الكامل، وفق رواية العميد.
ولهذا السبب، يعتبر اليوم الرابع واحداً من أكثر أيام العملية حسماً، إذ جمع بين التحضير الطويل والتكتيك المدروس والانهيار المتسلسل للخطوط الدفاعية خلال فترة زمنية قصيرة.
وبهذا المسار، أصبحت الحركة العسكرية أكثر فاعلية، وظهرت نتائجها الملموسة على الأرض مع كل ساعة تقدّم، مما أثبت أن التكتيك المعتمد كان الأنسب لطبيعة المعركة، وللفارق بين قدرات الطرفين، وللجغرافيا المعقدة التي شهدت عملية التحرير، وفقاً للعميد الخطيب.



