شهدت مدينة دوما في الغوطة الشرقية، خلال سنوات الثورة السورية، أحد أبشع فصول إجرام نظام الأسد، حيث تعرضت في السابع من نيسان عام 2018 لهجوم كيميائي مروّع باستخدام غاز الكلور السام. في هذا التقرير تروي الإخبارية السورية تفاصيل الهجوم استنادا لشهادات وتوثيق أهل المنطقة ومنظمات متخصصة، حيث أفاد ناشطون محليون وشهود عيان بأن طائرات مروحية تابعة للنظام المخلوع ألقت براميل تحتوي على غاز الكلور في ذلك التاريخ، ما أدى إلى سقوط عدد من الضحايا اختناقاً، معظمهم من النساء والأطفال الذين احتموا بالأقبية هرباً من القصف الجوي العنيف. وخلّف الهجوم آثاراً إنسانية كارثية، إذ عانى الضحايا من أعراض تنفسية حادة، وزرقة في الجلد، وخروج زبد الفم، إضافة إلى حروق في قرنية العين. وحول حصيلة المجزرة، وثقت الشبكة السورية لحقوق الإنسان استشهاد ما لا يقل عن 55 مدنياً، وإصابة نحو 860 شخصاً بحالات اختناق، كان أغلبهم من النساء والأطفال. هنا في مدينة دوما، لا يزال يعيش الناجون تحت وطأة ذكرى المجزرة، ورغم مرور سبع سنوات، فإنها بقيت حاضرة في ذاكرتهم وقلوبهم، بانتظار تحقيق العدالة ومحاسبة جميع المتورطين. يسترجع ياسر الفوال، أحد الناجين من المجزرة تفاصيل دقيقة عن المأساة في شهادته لموقع القناة الإخبارية: "هذه المجزرة تركت أثراً أليماً... ترافقت مع قصف بالبراميل المتفجرة والنيران، ما دفع المدنيين إلى الاختباء في الأقبية، وبعدها بلحظات وقع الهجوم الكيميائي الذي أودى بحياة كثيرين بسبب الاختناق". ترافق الفوال كوابيس لم تختف حتى اليوم : "لقد أُصبت إصابة طفيفة، وشعرت بالاختناق، بينما كان أمامي العديد من الأطفال والنساء يختنقون ويفقدون أرواحهم". بذل الدفاع المدني جهودا لمساعدة الناجين آنذاك ، يقول عامر ظريفة، مدير العمليات بريف دمشق في حديث خاص لموقع الإخباريةالسورية، إن الفرق استطاعت إنقاذ العديد من المدنيين وانتشال جثامين الضحايا من الأقبية التي لجأوا إليها. يقدم ظريفة معلومات عما وصفه بالشرك القاتل، وبحسب ظريفة، فإنّ استنشاق الغازات السامة أجبر الأهالي على الخروج، حيث واجهوا "مصيدة مميتة" نصبها النظام البائد، إذ وُضعت البراميل السامة عند شرفة الطابق الرابع من أحد المباني، وكلما صعد الأهالي للأعلى زاد تركيز الغاز. كما سجلت فرق الدفاع المدني موت أشخاص اختناقاً على الأدراج، كما تم توثيق مسرح الجريمة بالكامل من قبل فرق الإنقاذ والإسعاف في الدفاع المدني السوري. ويضيف ظريفة بالقول: "بدأت بإسعاف الضحايا، وكانت رائحة الكلور السام تملأ المكان. وقد استُهدفت المواقع بالغازات عبر الصواريخ والقذائف بهدف عرقلة وصول فرق الدفاع المدني، ومسح آثار الجريمة لمنع توثيقها أو تحديد نوع المواد المستخدمة، ما يصعّب عمل فرق التحقيق لاحقاً". ويستكمل مدير العمليات في الدفاع المدني بريف دمشق حديثه إلى أن الضحايا الذين تمكنوا من الوصول إلى المشفى الميداني في دوما تم إسعافهم ومساعدتهم على إزالة التلوث، وقد أُخذت عينات لتوثيق نوع الغاز وأعراضه. بدوره، لعب مركز توثيق الانتهاكات الكيميائية في سوريا دوراً محورياً في توثيق الجريمة، من خلال جمع المعلومات والأدلة والشهادات من الناجين وعائلات الضحايا، وتقديمها إلى الفرق الدولية. وساهم المركز في دعم جهود المساءلة الدولية عبر تقارير دقيقة عززت المطالب بمحاسبة الجناة. ففي هذا السياق، يشدد نضال شيخاني، مدير مركز توثيق الانتهاكات الكيميائية، على أهمية إعادة فتح التحقيقات حول هجوم دوما لتحديد المتورطين الآخرين، مشيراً إلى أن المركز جمع أدلة قيّمة بعد سقوط النظام، وأن من الضروري أن تحصل الدول الأطراف في اتفاقية حظر الأسلحة الكيميائية على فهم دقيق لمحاولات إخفاء الأدلة وطمس الحقائق. ويؤكد شيخاني أن منظمات المجتمع المدني لعبت دوراً هاماً في دعم التحقيقات الدولية، سواء من خلال توفير الشهادات الموثقة، أو تنظيم حملات ضغط تطالب بمحاسبة المسؤولين عن استخدام السلاح الكيميائي، إضافة إلى رفع الوعي العالمي بشأن الجرائم الكيميائية المرتكبة في سوريا.
