تبذل وزارة الإعلام جهوداً فريدة في التحوّل العميق في المشهد الإعلامي والفضاء الرقمي، وقيادة دفة وسائل الإعلام الحكومية نحو الانفتاح، وإنتاج مادة تليق بالمشاهد السوري والعربي، والحرص على مواكبة التطورات على المستوى العالمي.
وزير الإعلام، الدكتور حمزة مصطفى، كشف في تصريحات خاصة لموقع “الإخبارية” عن رؤيته في توجهات الوزارة في هذا الصدد، فقال: إنَّ مرحلة ما بعد سقوط نظام الأسد وعقود من وسائل الإعلام التي عملت كأداة مركزية للتضليل والدعاية، تبرز اليوم فرصة تاريخية فريدة في سوريا لبدء التحوّل العميق في المشهد الإعلامي.
رؤية إعلامية موضوعية
وأوضح أنَّ رؤية وزارة الإعلام تكمن في بناء تجربة إعلامية لا تتقاطع مع نموذج نظام الأسد، بل تضع لبنة أساسية في بناء إعلام وطني يراعي الاحترافية والموضوعية، ويعكس تطلّعات المجتمع ومصالح الشعب السوري، ويلتزم برسالة تجمع ولا تفرّق، تستند إلى التعددية والالتزام بأخلاقيات الصحافة المهنية ضمن المعايير المتبعة دوليًا.
ولفت الوزير إلى أنَّ خطط الوزارة في الوقت الراهن ترتكز على توصيف المشكلات تمهيداً للتعامل معها وحلها على المدى الطويل، وليس فقط إجراءات شكلية تحسينية. ولا يمكن إنكار أنَّ المشهد الإعلامي الحالي في سوريا يواجه العديد من التَّحديات الأساسية المتجذرة في الإرث العميق لتشويه وسائل الإعلام، والاضمحلال المؤسسي الموروث من النظام السابق.
وأضاف: “علاوة على ما سبق، أصبح الخطاب الشعبوي واسع الانتشار، وغالباً ما يكون بمثابة وسيلة للتلاعب بالرأي العام، بدلاً من تعزيز القيم الأساسية للحوار والتعددية والمساءلة. فعلى مدار 14 عاماً، عمل النظام البائد على إضفاء الطابع المؤسسي المنهجي على الخطاب الطائفي لشيطنة معارضيه، مما أدى إلى خلافات مجتمعية عميقة.”
وأكَّد الوزير حمزة أنَّه لا تزال آثار الانقسامات واضحة في الوجود الواسع لخطاب الكراهية، والاستبعاد والطائفية على منصات التواصل الاجتماعي؛ وهي ديناميكيات تعيق بشكل كبير القدرة على بناء بيئة إعلامية وطنية قائمة على الشمولية والمعايير المهنية، وإعادة تأسيس ثقة الجمهور.
ونوّه إلى أنَّ الوزارة في سياق تعزيز بيئة إعلامية أكثر تعددية وشفافية خلال هذه المرحلة الانتقالية، تبدي انفتاحًا قويًا على التعلم من الخبرات الدولية، بما في ذلك التعاون في مجال التدريب والتطوير بما يتماشى مع مبادئ الصحافة الحديثة.
وأشار إلى أنَّ وزارة الإعلام تعمل حالياً على مراجعة مقترحات التدريب المشتركة مع منظمة “مراسلون بلا حدود”، وفتحت نقاشات مع اتحاد الصحافة العربية بشأن أوراق اعتماد الصحافة الموحدة للصحفيين السوريين في الخارج.
أخلاقيات العمل الإعلامي
وأوضح الوزير أنّهم بدأوا بوضع رؤى واستراتيجيات شاملة تهدف إلى إعادة هيكلة وسائل الإعلام التي تديرها الدولة على أساس الموضوعية، والتي تمّ تأطيرها من خلال إطار قانوني وأخلاقي واضح، بما في ذلك “مدونة الأخلاقيات” التي تضع المبادئ التوجيهية للعمل الإعلامي دون التعدي على حرية التعبير.
وأعرب عن طموح كبير أن يعمل الإعلام الحكومي على أسس تنافسية، يستفيد من هامش الحرية في سوريا الجديدة، دون أن يحتكر المشهد وحده لضمان المرونة والتطور الدائم بما يتناسب مع تفضيلات الجمهور دون المساس بالأسس الناظمة له.
وقال: إنَّ أمر مؤسسات الدولة لا يقتصر على أهميتها، بل أطلقنا عملية تشاورية مع الصحفيين المحليين والجهات الفاعلة في المجتمع المدني والنقابات، مثل اتحاد الصحفيين السوريين المعاد هيكلته، الذي أطلق إطاراً تنظيمياً جديداً مع متطلّبات العضوية التي تهدف إلى الحفاظ على النزاهة المهنية والمعايير الأخلاقية.
وفي الوقت نفسه، تسعى الوزارة إلى منع استغلال وسائل الإعلام كأداة للاستقطاب أو تفاقم الانقسامات المجتمعية.
وشدد على أنّ الوزارة تطمح إلى تنمية ثقافة وسائط الإعلام التي يستخدم فيها النقد كأداة بناءة للإصلاح وتعزيز التماسك الاجتماعي.
حقوق المجتمع والعدالة الانتقالية
وكجزء من هذا الجهد ،ركزت الاجتماعات الأخيرة مع الصحفيين والناشطين المخضرمين على وضع معايير تحريرية واضحة، ولا سيما فيما يتعلق بالمواضيع الحساسة مثل المصالحة بعد انتهاء الصراع، وتوثيق المقابر الجماعية، وتغطية مراكز الاحتجاز السابقة، وهي قضايا تعرض فيها بعض الصحفيين المواطنين لانتقادات بسبب تقارير غير مدربة أو غير أخلاقية.
ولفت الوزير إلى أنَّ التّحدي التقني الذي يواجه الصناعة الإعلامية يشكّل عبئاً كبيراً في سوريا بسبب التخلّف التقني والتكنولوجي خلال فترة النظام البائد، وبعض الآثار المترتبة على العقوبات الاقتصادية التي تمنع تحديث الأنظمة بسهولة.
وضمن هذا الإطار، تطمح الوزارة ضمن جهود الدبلوماسية السورية إلى إزالة هذه الآثار أو إيجاد بدائل مؤقتة، وبالتأكيد يدرك الجمهور هذا الجانب ويعذرنا في الكثير من المسائل.
وقال الوزير: إنَّ الإعلام الرقمي يسيطر على المشهد حالياً إلى درجة باتت الوسائل القديمة تفتقد رواجها كما كان سابقًا، إلا أن الأخيرة ما تزال تلعب دورًا في صناعة المحتوى، وخاصة الإخباري والبرامجي، وعليه، تتبّنى الوزارة استراتيجيات للتكامل بين ما نسميه “الشاشة الكبيرة”، والتي تندرج تحتها بعض الوسائل القديمة مثل التلفزيون والمواقع الإلكترونية، وبين أدوات وتطبيقات الإعلام الجديد التي تزدهر يوميًا، خاصة لدى الأجيال الجديدة، بالاستفادة من التطور التكنولوجي والذكاء الصناعي.
وحول مشروع إعادة الثقة بين المواطن والإعلام الوطني، قال الوزير: “أتوقف قليلاً عند هذا السؤال لأقول، ككل الإعلاميين الأحرار في سوريا، لم يكن هناك إعلام وطني، ولم تكن هناك ثقة بين الإعلام سابقاً والمواطنين، بل كان الإعلام وسيلة لقمع الحريات وتمجيد الشخصيات في عهد المخلوع”.
وتابع: “أمّا في عهد سوريا الجديدة، فإنّنا نسعى إلى بناء الثقة بين المواطنين والإعلام الوطني، والإعلام الوطني ليس الإعلام الرسمي المتمثل في إعلام الحكومة، بل كل إعلام سوري يعمل لبناء سوريا الجديدة هو إعلام وطني، ليس فقط على صعيد المؤسسات الإعلامية، بل حتى على صعيد الإعلاميين المستقلين وحتى الأفراد”.
وأشار إلى أنَّ الحكومة أظهرت انفتاحاً على التعامل مع الانتقادات الإعلامية واستعدادها لتوسيع مجال حرية التعبير. وهذه الحرية تمثل قيمة كبرى دفع السوريون أثماناً باهظة لنيلها، لكنها مسؤولية ترتب على الجميع التعاون للوصول بالبلاد إلى بر الأمان بعد عقود من الاستبداد القاسي.
حرية وسائل الإعلام
وحول آليات ضبط الخطاب الإعلامي وتوحيد رسائله بما ينسجم مع سياسات الحكومة السورية، قال الوزير: “نحن لا نسعى إلى قولبة الخطاب الإعلامي كما كان يفعل النظام المخلوع لأدلجة الناس بما يخدمه، ولا نرغب بتوحيد الرسائل، بل نسعى إلى توحيد الرؤية من خلال مدونة سلوك وقوانين ناظمة وتحديث التشريعات بمشاركة كل الإعلاميين والمؤسسات الإعلامية”.
وشدد على أنَّ الحفاظ على النسيج الاجتماعي وترسيخ السردية الوطنية، ومواجهة خطاب الكراهية والاستثمار في الوعي، هو الأفضل على المدى الطويل، مؤكّدًا أن الأمر لا يخلو من بعض الاستراتيجيات المرحلية بالتعاون مع الوزارات المختلفة لضبط الخطاب وعقلنته ومنع الفوضى مع الحفاظ على حرية التعبير.
ودعا إلى عدم إنكار حقيقة الصعوبات التي تواجه العمل، وأنَّ الطريق إلى الأمام لا يزال طويلاً، إذ تمر سوريا حالياً بمرحلة انتقالية صعبة، وتتخذ خطواتها الأولية نحو الإصلاح السياسي.
وأكَّد على ضرورة الاعتراف بأنَّ حرية وسائل الإعلام هي عملية تدريجية ومتطورة، تشبه إلى حدّ كبير المسار الأوسع للاستقرار السياسي بعد الثورات الطويلة، نمد يد التعاون للجميع بمختلف مشاربهم لإنجاح التجربة وتخليد التضحيات الجسام للشعب السوري ككل، ولأكثر من 700 إعلامي استشهدوا حتى نصل بالبلاد إلى التحرير والحرية، لافتًا إلى أن الأخيرة مسؤولية وتتطلب حسًا كبيرًا بالمسؤولية، فالكلمة قد تكون في كثير من الأحيان أخطر من السلاح، ولاسيما في زمن يعج بالشائعات والمعلومات المضللة.
وختم بالقول: “تعالوا على اختلافاتنا، نؤسّس لمرحلة جديدة تمهد لأجيال قادمة وشدد على أنَّ الوزارة تطمح إلى تنمية ثقافة وسائط الإعلام التي يستخدم فيها النقد كأداة بناءة للإصلاح وتعزيز التماسك الاجتماعي.