السبت 10 ذو الحجة 1446 هـ – 7 يونيو 2025
دمشق
Weather
°18

وزير الداخلية يكشف الهيكلة الجديدة للوزارة وأولويات مواجهة التحديات الأمنية

anas khattab

كشف وزير الداخلية أنس خطاب، في لقاء حصري للإخبارية، الأربعاء 4 حزيران، عن التعديل الهيكلي والتنظيمي الجديد المعتمد رسميا، وأوضح أن التعديل يأتي في إطار إعادة صياغة جذرية لمفهوم العمل الأمني الذي استمر على حالته لأكثر من خمسين عاماً.

وأشار إلى أن الأجهزة الأمنية كانت مصدراً للرعب والقلق لدى المواطنين داخل سوريا وخارجها، مؤكدا أن المهمة كانت صعبة جداً منذ البداية وتطلبت تغيير مفهوم الأمن لدى الناس، بداية من إعادة دراسة الهيكل القديم للوزارة بناء على تجارب دولية معتمدة في المجال الأمني، مع مراجعة معمقة للقوانين السورية لفهم تفاصيل العمل السابق.

وقال إنهم بحثوا بعد ذلك عن الوسائل التقنية والحديثة التي تعتمدها الدول في حفظ الأمن، ووضع مقترح للرئاسة بتوحيد الأمن والشرطة في وزارة واحدة دون الفصل بينهما، لتعزيز الاختصاصات وتنظيم المهام بدقة.

ونفى الوزير وجود أي دمج بين العمل الشرطي والعمل الأمني، وأنها خطوة تقوية للوظائف الأمنية داخل الوزارة، لمواجهة التحديات المتجددة بكفاءة أعلى، مؤكدا حرص الوزارة على تأمين حماية المواطنين والاستقرار الوطني ضمن أطر قانونية حديثة وشفافة.

وأشار الوزير إلى استحداث بعض الإدارات والأبنية الأخرى بالأسماء نفسها مع تحديث مهامها، مثل إعادة تسمية إدارة الأمن الجنائي لتكون إدارة المباحث الجنائية، لارتباط مصطلح الأمن الجنائي بذكريات مؤلمة لدى السوريين.

وبين أن الوزارة عملت على تغيير أسماء بعض الأجهزة مثل جهاز أمن الدولة الأمن السياسي والأمن الجوي، وبيّن أن هذه الأسماء كانت مرتبطة برعب وقلق كبيرَين لدى المواطنين، لذا مسحوا هذه الأسماء من الذاكرة العامة، مع الحفاظ على جميع الجوانب التي تحتاجها البلاد، وإعادة التنظيم وفق رؤية جديدة تتناسب مع المرحلة الحالية.

ومن الإدارات التي استحدثوها هناك إدارة مكافحة الإرهاب المعنية بملاحقة فلول النظام السابق، وتنظيم “داعش” وأي جماعات تحاول القيام بأعمال تخريبية باستخدام السلاح ضد الدولة والمواطنين، كذلك استحدثوا إدارة خاصة بالطرق العامة تُعنى بسلامة الطرق، بدأً من الطرق الرئيسة إلى الطرق الفرعية.

وأشار الوزير إلى استحداث إدارة حرس الحدود التي كانت سابقاً تابعة لوزارة الدفاع، ونُقلت إلى وزارة الداخلية بناءً على مناقشات مع الرئاسة، وذلك لتعزيز العلاقات مع دول الجوار وعدم الحاجة لوضع قوات دفاعية على الحدود المحيطة، إضافة إلى إدارة خاصة بالمعلومات تتولى جمع المعلومات الأمنية وتحليلها وتدقيقها، لضمان عدم التعامل مع الشائعات أو الاتهامات دون تحقق.

وشملت أيضا إدارات المرور والمباحث الجنائية ومكافحة المخدرات التي كانت موجودة سابقاً، بحيث تركز الهيكلة الجديدة على تعزيز التخصص بدلاً من الدمج العشوائي.

ولفت إلى أبرز ما جاء في التعديل خلال الأشهر الخمسة الماضية، هو تعيين قائد واحد للأمن الداخلي في كل محافظة، مثل محافظات دمشق وحلب وريف دمشق ليتولى إدارة الأجهزة الأمنية والشرطية جميعها، لضبط العمل الأمني والشرطي قدر الإمكان، وتقليل تعدد الرؤوس الإدارية في المحافظة الواحدة.

وأوضح أن هذا التغيير ضروري في ظل التحديات الأمنية الكبيرة التي تواجهها الوزارة يومياً، فقد تحدث مخاطر أو تجاوزات في أي لحظة، ما يستوجب وجود قائد واحد يمثل وزير الداخلية في كل محافظة ويدير الميدان بأكمله.

وعن التحديات الراهنة وخطط الوزارة لمواجهتها، أكد الوزير خطاب أن تنظيم “داعش” لا يزال يشكل التحدي الأكبر، مع استمرار محاولاته تنفيذ أعمال إرهابية تهدد الأمن والاستقرار.

من العمل العبثي إلى استراتيجية أمنية مدروسة

وأوضح الوزير أن محاولات البعض لاستهداف المسيحيين والشيعة باءت بالفشل بفضل الجهود الأمنية المتواصلة، إضافة إلى أحداث منطقة الساحل في شهر آذار الماضي، وما رافق ذلك من تجاوزات، إذ شُكّلت لجان تحقيق لا تزال تتابع مجريات التحقيق.

وقال إن ضباط فلول النظام السابق لم يتوقفوا عن محاولاتهم حتى اللحظة، في وقت تتابع الأجهزة الأمنية الموضوع بأعلى درجات الحذر، أما فيما يتعلق بملف المخدرات، فقد أوضح أن البلد تحول خلال السنوات الماضية إلى مصنعٍ للكبتاجون ومُصدِّر له إلى دول عديدة حول العالم، وهو التحدي الأكبر منذ بداية التحرير.

وشدد على أن الجانب الإيجابي هو تمكن الوزارة من وقف تصنيع هذه المخدرات ومصادرة جميع المعدات والمعامل.

ولفت إلى أن المرحلة الحالية تتركز على كشف المواد المخبأة في شحنات معدة للتصدير، ويُضبط شحنات مُعدّة سابقاً للتصدير يوميا عبر بعض المعامل أو الطرق غير القانونية.

ونفى الوزير وجود معامل تنتج الكبتاجون في سوريا حاليا، مشيراً إلى أن المشهد اليوم يقتصر على كشف المواد المخزنة سابقاً، وقد رصدت الدول المجاورة تراجع دخول المواد المخدرة إلى أراضيها مؤخرا مثل الأردن وتركيا والسعودية.

تعاون إقليمي لمكافحة المخدرات

وقال إن الوزارة منذ اليوم الأول لتحرير البلاد بدأت بتنفيذ خطة شاملة لمكافحة المخدرات، شملت إغلاق معامل الكبتاغون التي كانت تنتشر بكثرة في المناطق الحدودية مع لبنان، خصوصاً تلك الواقعة ضمن مناطق سيطرة “الفرقة الرابعة” سابقاً، إضافة إلى معامل أخرى في الساحل.

وأضاف: “تمكّنا من ضبط معظم معامل التصنيع التي كانت تُعد بالعشرات، وصادرنا المعدات المستخدمة في الإنتاج، كما عملنا على ضبط كميات كبيرة من الشحنات المعدّة للتصدير”، مؤكداً أن المملكة العربية السعودية والمملكة الأردنية والجمهورية التركية، كانت في طليعة الدول المتضررة من هذه الظاهرة، ونسَّقوا مباشرةً معها عبر الإدارات المختصة لضبط الحدود ووقف حركة التهريب.

وأشار إلى أن المرحلة القادمة هدفها “معالجة التعاطي”، الأمر الذي يختلف عن معالجة الاتجار والتصنيع، إذ يتطلب تنسيقاً مباشراً مع وزارة الصحة لإنشاء مصحات متخصصة لمعالجة المدمنين.

وفي سياق آخر، أوضح الوزير خطاب أن الهيكلة الجديدة أخضعت السلطة الأمنية لوزارة الداخلية بطريقة حقيقية وواقعية، مع فتح مكاتب الشكاوى للاتصال المباشر مع المواطنين، على عكس ما كان يجري في عهد النظام المخلوع عندما كان المعتقل أو الموقوف غير معروف مكانه أو مصيره.

وأضاف أن السلطة الأمنية الآن تخضع للرقابة والتفتيش، وتعالج أي شكوى أو دعوى يقدمها المواطن بحق أي موظف في الوزارة، لافتا إلى أن ممارسات بعض عناصر الأمن مثل ارتداء اللثام على الحواجز، هي ظاهرة نشأت في السنوات الماضية في مناطق كانت محررة، نتيجة خشية العناصر على أُسرهم المقيمة في مناطق النظام، لمنع الكشف عن هويتهم.

وأشار إلى أن الوزارة تعمل حالياً على دراسة هذا الموضوع عبر لجان مختصة، وتهدف إلى إلغاء استخدام اللثام في المواقع التي تسمح بذلك، مع الحفاظ على سلامة الأهالي في المناطق الحساسة، حيث ستنتشر قوات أمن الطرق والحواجز بدون لثام حين يمكن ذلك.

لجان متابعة و6 معاونين

وأكد أن استخدام اللثام في الحواجز الأمنية النوعية قد يستمر، لكنه سيُلغى في غالبية المواقع، حرصاً على راحة المواطنين وطمأنينتهم، وقد شُكّلت لجان وشخصيات تعمل على متابعة هذا الملف للحد من هذا الأمر بالنسبة لعناصر الأمن قدر الممكن.

وبين أن التجاوزات موجودة، وارتبطت بسياق انهيار السلطة وتداعيات الفترة الأولى بعد التغيير، فالانهيار الذي تعرضت له المؤسسات الأمنية خلال 11 يوماً أدى إلى حرق وتخريب العديد من المباني، إضافة إلى محاولة بعض الموظفين السابقين في الأجهزة الأمنية إخفاء وثائق مهمة وتدمير أدلة عن جرائم.

وهذه الظروف دفعت الوزارة لتعيين أعداد كبيرة من الأشخاص غير المدربين كفاية في المجال الأمني، ما تسبب في بعض الأخطاء والسلوكيات غير المهنية، وقال إن الوزارة تعمل حالياً على إعادة تدريب هذه العناصر وتطوير مهاراتهم الأمنية، وتوقع أن تنخفض التجاوزات مع مرور الوقت.

ولفت الوزير إلى تعيين ستة معاونين جدد بتكليف من رئاسة الجمهورية، في مجالات مختلفة تشمل الشؤون الأمنية والشؤون التقنية والشؤون القانونية والموارد البشرية والخدمات الطبية والشؤون المدنية (البطاقات والأحوال المدنية)، وأعلنت وزارة الداخلية عنهم لتعريف المواطنين بهم، لضمان الشفافية وكفاءة الأداء، وأشار إلى أن بعض المعاونين ليسوا من الضباط، منهم مهندسو اتصالات وأطباء بشريون بخبرات إدارية طويلة، ما يعكس توجهاً لتعزيز التخصص في الوزارة.

السجون ستُدار بمنهج إصلاحي حديث

وقال إن الوزارة تعمل حالياً على إعداد آلية لإعادة دمج الضباط المنشقين ضمن كوادرها، وهؤلاء ينقسمون إلى شرائح زمنية ومهنية متعددة، منهم من انشق في بدايات الثورة، وكان يعمل لاحقاً ضمن مناطق الشمال، وهم الآن جزء من الوزارة، إلى جانب ضباط وأفراد آخرين سبق أن انشقوا وعادوا إلى العمل.

وأوضح الوزير أن المشهد الأمني في السابق لم يكن قادراً على استيعاب هذا العدد الكبير من الكوادر المنشقّة، إذ سافر بعضهم خارج البلاد، بينما بقي آخرون في المناطق المحرّرة، ولا يزال عدد منهم على تواصل مع الوزارة رغبةً في العودة إلى خدمة الوطن.

وكشف أنه بعد إصدار الهيكلية الجديدة والتعيينات الأساسية، ستشكل خلال الأيام العشرة القادمة لجنة مقابلات لفتح الباب أمام هؤلاء الضباط، حيث ستُجرى مقابلات لتصنيفهم وفق معايير زمنية ومهنية دقيقة، من ضمنها سنة الانشقاق، وستبدأ المقابلات أولاً مع الضباط، ثم ضباط الصف، وربما الأفراد في مراحل لاحقة، وفق أولوية واضحة لضمان توظيفهم في الأماكن المناسبة لقدراتهم وخبراتهم.

إعادة هيكلة السجون

وقال وزير الداخلية إن الهيكلية الجديدة للوزارة تشمل أيضاً “الإدارة العامة للسجون”، وهي التسمية المعتمدة حالياً بديلاً عن “إدارة السجون” القديمة، وذلك لتغيير الفهم الوظيفي لهذه المؤسسة من جهة عقابية إلى جهة إصلاحية.

وأضاف: “من يرتكب جرماً لن يكون هدفنا معاقبته فقط، بل إصلاحه ليعود إلى المجتمع إنساناً سليماً، وتصنيف السجون سيأخذ مساراً تصاعدياً يبدأ من التحقيق، ثم الانتقال إلى مراحل إصلاحية تُعنى بنوع الجرم المرتكب، سواء كان سرقة أو تعاطي مخدرات أو قتل”.

وأشار إلى أن البنية التحتية للسجون في سوريا حالياً غير مؤهّلة على الإطلاق، فالسجون في عهد النظام المخلوع لم تكن تخضع لأي رقابة داخلية أو خارجية، والواقع داخلها كان كارثياً بكل المقاييس، ولم تكن هناك مرافق صحية أو خدمية أو طبية مناسبة، ولا حتى تخطيط عمراني أو إنساني.

وتابع: “كلفنا إدارة الإنشاءات بإعادة تأهيل بعض السجون، وندرس حالياً بناء سجون جديدة بمعايير قانونية وعصرية تحترم كرامة الإنسان”.

أكثر من 8 ملايين اسم على قوائم الملاحقة

أوضح الوزير أن الوزارة فوجئت بعدد الأسماء المطلوبين، إذ بلغ عددهم وفق الإحصائيات الرسمية أكثر من 8 ملايين و200 ألف شخص، أي ما يعادل ثلث عدد سكان سوريا.

وبيّن أن القضايا تتوزع على 14 بنداً، منها عشرة بنود تتعلق بالملفات الأمنية والعسكرية، والبقية ترتبط بقضايا مدنية أو منع سفر أو حجوزات احتياطية صادرة عن وزارة المالية.

وتابع: “عقدنا سلسلة اجتماعات مع وزارة العدل، وجرى اتخاذ قرار استراتيجي برفع الأسماء المرتبطة بالقضايا العسكرية والأمنية، وتمكّنا من إزالة نحو 5 ملايين اسم من قاعدة البيانات، بينما بقي قرابة 3 ملايين اسم قيد الدراسة، معظمهم من الموظفين الممنوعين من السفر لأسباب مختلفة”.

وأكد وزير الداخلية أن المعالجة ستكون على دفعات، مشيراً إلى أن بعض الأسماء مدرجة في أكثر من قائمة بطريقة فوضوية، الأمر الذي يعقّد عملية المسح، وهناك حالات يمكن التعامل معها فردياً من خلال تقديم طلبات شخصية إلى وزارة الداخلية أو قيادات الشرطة في المحافظات، لكن لا يمكن شطب قوائم كاملة تتضمن ملايين الأسماء دون مراجعة قانونية دقيقة.

لا دعم تقني حتى الآن

وحول التعاون الدولي قال: “هناك زيارات تمت إلى بعض الدول بهدف الاطلاع على نماذج العمل الشرطي والتقسيم الإداري المتطور، وحتى الآن لم نتلقَّ دعماً تقنياً مباشراً، لكن التنسيق قائم للحصول على تدريبات وتجهيزات تقنية حديثة”.

وتوجّه الوزير برسالة إلى السوريين قائلاً: “نحن نعلم أن الناس فقدت الثقة برجال الأمن في السابق، وكان المواطن يغير طريقه حتى لا يمرّ أمام فرع أمني، أما اليوم فالأمن أصبح خدمة للناس، وهو لهم وليس ضدهم، ونعترف بوجود بعض المشكلات، لكننا نعمل على إعادة بناء المؤسسة الأمنية من جديد، والأمر يتطلب وقتاً وتدريباً وتجهيزات، لكننا نعد السوريين أن الأيام القادمة ستكون أيام أمن حقيقي وأمان دائم”.