أكّد وزير الدفاع مرهف أبو قصرة أن المؤسسة العسكرية بدأت تحولاً جذرياً نحو جيش وطني ملتزم بحماية البلاد والدفاع عن المواطنين، مشيراً إلى أنّ مرحلة إعادة الهيكلة باتت في مراحلها المتقدّمة، وتتجه نحو التنظيم الكامل والاحترافية.
وقال أبو قصرة في مقابلة خاصة مع قناة الإخبارية: “نحن لا نرث جيشاً، بل نعيد بناءه على أساس الانضباط الوطني والكفاءة، وليس الولاء”.
دمج الفصائل والمجموعات العسكرية
وأوضح الوزير أنّ وزارة الدفاع أنجزت خلال الأشهر الماضية مراجعة شاملة لتشكيلات الجيش داخل الجغرافيا السورية، حيث تمّت إعادة هيكلة 130 وحدة عسكرية، ونقل تبعيتها كاملة إلى الوزارة.
وأكد أنّ هذه الخطوة أسهمت بشكل مباشر في ضبط الأداء العسكري، وتحقيق استقرار أمني في عدة مناطق كانت تعاني من فوضى السلاح والانقسامات الميدانية، مشيراً إلى أنّ بعض الفصائل التي لم تلتزم بالقرارات تم حلّها أو دمجها بعد التقييم.
التعاون مع وزارة الداخلية
وحول العلاقة بين الجيش ومؤسسات الدولة الأخرى، قال أبو قصرة إنّ وزارة الدفاع تعمل حالياً ضمن غرفة تنسيق متقدمة مع وزارة الداخلية وجهاز الأمن العام، لمعالجة التحديات الأمنية، وعلى رأسها ملف السلاح غير المرخّص، وملاحقة فلول النظام البائد.
وأضاف: “لا يمكن الحديث عن استقرار حقيقي دون أمن داخلي راسخ، ومؤسسة عسكرية منضبطة تعود إلى ثكناتها بعد أداء مهمتها.”
كما كشف الوزير عن انطلاق المرحلة الثانية من خطة التحوّل، وهي مرحلة تنظيم الرتب والهويات، وتفعيل الأطر الإدارية والمهنية داخل الجيش، بما ينقل المؤسسة من الحالة الثورية المؤقتة إلى البنية المؤسسية المستدامة.
وبيّن أنّ الجيش الجديد سيقوم على أساس علمي، لا عشوائية فيه، قائلاً: “جيش يُبنى على الكفاءة لا على الخطابات.”
جيش أكاديمي محترف
هذا وأكّد أبو قصرة أنّ الوزارة شرعت بإعادة تأهيل المنشآت العسكرية التعليمية التي تضررت خلال سنوات الحرب، وتشمل الكليات والمعاهد العسكرية، إلى جانب تعديل المناهج لتتناسب مع الواقع الجديد وضرورات الدفاع الحديث.
ولفت إلى أنّ المؤسسة العسكرية باتت تضم 10 كليات باختصاصات مختلفة، وتعمل على تخريج كوادر مؤهلة علمياً ومهنياً، مشدداً على أن الهدف ليس فقط حماية الحدود، بل ترسيخ جيش محترف يكرّس الدولة الوطنية.
وقال: “نحن نعيد الثقة بين الجيش والشعب، بعد أن شوّهها نظام دموي كان يستخدم الجيش لقمع السوريين، لا لحمايتهم.”
وأشار إلى أن الوزارة وجدت “تجاوباً لافتاً” من الضباط والكوادر العاملة في المؤسسة العسكرية، مع التوجهات الإصلاحية التي تقودها الوزارة خلال المرحلة الحالية، مضيفاً: “الوحدات العسكرية أبدت حرصاً واضحاً على المضي في بناء جيش يخدم البلاد، لا يُستخدم ضدها”.
تأهيل الضباط المنشقين
وحول ملف الضباط المنشقين، أوضح الوزير أن الوزارة صنّفتهم إلى فئتين: الفئة الأولى هم الضباط الذين ظلوا على رأس عملهم ضمن الوحدات العسكرية خلال الثورة، وقد تمّت مقابلتهم من قبل إدارة شؤون الضباط، و”نحو 50% منهم عادوا للخدمة، فيما سيتم تفعيل البقية خلال الشهر القادم”.
أما الفئة الثانية، فهم من لم ينخرطوا في العمل العسكري خلال السنوات الماضية لأسباب خاصة، وتعمل وزارة الدفاع حالياً على مراجعة ملفاتهم أيضاً تمهيداً لإعادتهم إلى الخدمة “نظراً للحاجة الكبيرة إليهم”.
آلية الترفيعات العسكرية
نحن اليوم بصدد بناء جيش ناشئ، وتمنح الرتب العسكرية ضمن إطارين أساسيين: تسوية الوضع القانوني والالتزام بالقانون العسكري، ولن تُمنح أي رتبة عسكرية خارج هذا الإطار.
ونظراً للظروف التي تمرّ بها سوريا، وبعد خروجها من الحرب، نعيش اليوم في حالة طوارئ، ما يفرض بعض التعديلات على الإجراءات، ومنها مدة الدراسة في الكلية العسكرية، وعليه، قسّمت وزارة الدفاع الملفات العسكرية إلى قسمين:
- ضباط منشقون: تم تحويل قيودهم إلى إدارة شؤون الضباط، بعد التحقق من تاريخ ومدة الانشقاق، وستُشكّل لجنة خاصة من كبار الضباط في وزارة الدفاع، تُعِدّ برنامجاً لترفيع هؤلاء الضباط وفق قانون محدد.
- القادة العسكريون الذين شاركوا في الثورة السورية: سيتم إرسالهم إلى الكلية العسكرية، ويُشترط عليهم اجتياز الدراسة والتدريب العسكري للحصول على رتبة “ملازم”، وبعد التخرّج، يُحالون إلى اللجنة المختصة في وزارة الدفاع لمنحهم الرتب العسكرية المناسبة، استناداً إلى ثلاثة معايير: (اجتياز الكلية العسكرية بنجاح، والقدم العسكري والخبرة الميدانية خلال سنوات القتال، والمسمى الوظيفي والدور الذي أدّاه خلال الثورة).
العقيدة العسكرية
ورداً على سؤال حول العقيدة العسكرية الجديدة، قال وزير الدفاع: “نبني جيشاً بعقيدة وطنية، أساسها حماية الشعب السوري وصون الجغرافيا السورية، لا تنفيذ أجندات قمعية كما كان الحال سابقاً. هذه العقيدة الجديدة هي حجر الأساس للجيش”.
وأكد الوزير أن المؤسسة العسكرية سيكون لها دور محوري في حماية الدولة السورية الجديدة، والحفاظ على السلم الأهلي، قائلاً: “سنمنع أي جماعة أو جهة مسلحة من التعدّي على حقوق المواطنين، فالجيش سيكون قوة استقرار لا ترهيب، ويتحرك ضمن مهام واضحة بالتنسيق مع الجهات الأمنية المختصة”.
وشدد وزير الدفاع على أن خطة التأهيل لا تشمل الضباط فقط، بل الأفراد والعناصر أيضاً، مشيراً إلى أن الوزارة أطلقت برامج تدريب متخصصة، ودورات لرفع الكفاءة في مختلف القطاعات العسكرية، مضيفاً: “نعمل على تأسيس جيش لا يُبنى بالعاطفة، بل بالمهنية والاحتراف”.
رسالة للشعب السوري
وتوجَّه وزير الدفاع في ختام لقائه مع الإخبارية بالشكر إلى أبناء الشعب السوري في الداخل والخارج، مثنياً على تضحياتهم في سبيل إحقاق الحق وإسقاط النظام البائد، وخصّ بالتحية ذوي الشهداء والجرحى الذين قدّموا أغلى ما يملكون دفاعاً عن مستقبل البلاد، ووحدتها، واستقرارها.