الجمعة 23 محرم 1447 هـ – 18 تموز 2025

مجموعات تابعة لحكمت الهجري ترتكب جرائم تطهير عرقي في السويداء

مجموعات تابعة لحكمت الهجري ترتكب جرائم تطهير عرقي في السويداء

أجبرت مجموعات خارجة عن القانون يتزعمها حكمت الهجري عشرات القرى والبلدات في محافظة السويداء على النزوح قسراً تحت التهديد بالقتل وتدمير المنازل فوق رؤوس ساكنيها وحرقها، في جريمة تطهير عرقي تضاف إلى سجل جرائم الحرب التي ارتكبتها تلك الجماعات مسبقاً، والجرائم الجنائية وأنشطتها غير المشروعة في تجارة وتهريب السلاح والمخدرات عبر الحدود.

تلك الجماعات نفّذت خلال 24 ساعة الماضية جريمة تطهير عرقي وتغيير للتركيبة السكانية في المحافظة بشكل قسري من خلال استهداف عشائر البدو في مدينة السويداء وريفها.

وتزامنت تحركات مجموعات الهجري مع انسحاب وحدات الجيش الذي بادر بتطبيق أولى بنود الاتفاق المبرم بين الدولة السورية ومشايخ طائفة الموحدين الدروز، وقد تخللها عمليات قتل ونهب وإحراق منازل عائلات تقيم في حي المقوس على أطراف مدينة السويداء.

وطالت التهديدات القرى التي تسكنها عائلات ذات أصول عشائرية في ريفي السويداء الشرقي والغربي، ما دفع مئات العائلات للنزوح من المنطقة إلى مصير مجهول، وحرمانهم من إفراغ منازلهم ونقل ممتلكاتهم.

نزوح قسري من الريفين الشرقي والغربي

وأفاد مراسل الإخبارية قي السويداء أنّ عملية انسحاب قوات الجيش مساء أمس ترافقت مع موجة نزوح لعائلات عشائرية من الريفين الشرقي والغربي من محافظة السويداء بعد تلقيهم تهديدات مباشرة من مجموعات الهجري، قبل أن ترتكب جريمة التطهير العرقي بحق أبناء العشائر في السويداء.

ولفت المراسل إلى غياب إحصائيات دقيقة حتى اللحظة لخطورة الوضع الأمني في المنطقة، مشيراً إلى أنّ حركة النزوح كانت خلال ساعات صباح اليوم، الخميس 17 تموز، من قرى وبلدات مثل الدور وسميع وصمّا، بالإضافة إلى منطقة المقوس المتاخمة لمدينة السويداء التي برزت كأكثر المناطق نزوحاً.

واستجابت المؤسسات الحكومية على الفور للحالات الإنسانية للعائلات التي خرجت من السويداء خوفاً من عمليات إجرامية من قبل الجماعات الخارجة عن القانون، عبر تأمين عبورهم إلى مناطق آمنة وتأمين احتياجاتهم الأساسية.

تهديدات بالقتل.. وجهة نزوح غير معروفة

وتوجّهت العائلات النازحة إلى مناطق مختلفة بشكل عشوائي، حيث كان الهدف الرئيسي لهم النجاة فقط، إذ لجأت بعض العائلات إلى أقارب تربطهم بهم صلة عشائرية في محافظة درعا، وآخرون إلى محافظات القنيطرة ودمشق وريف دمشق، وبعضهم قال لمراسل الإخبارية: “نحن ذاهبون إلى حيث يقودنا الطريق، المهم أن ننجو بسلامة عائلاتنا”.

وأجرى مراسل الإخبارية لقاء مع إحدى العائلات المدنية التي نزحت نتيجة الخوف بعد التهديد، والتي قيل لأفرداها من قبل مجموعات الهجري: “عليكم أن تغادروا السويداء، وإلا سنقوم بقتلكم وهدم منازلكم فوق رؤوسكم”، ما يؤكد أن جريمة التطهير العرقي التي تعرض لها أبناء العشائر في السويداء هي جريمة منظّمة وخُطِطَ لتنفيذها بشكل مسبق.

ووثّقت عدسة الإخبارية حالة التهجير القسري، إذ أظهرت مقاطع مصورة تشرد مئات العائلات في مناطق نائية دون أن يتمكنوا من حمل أمتعتهم أو أغذية لأطفالهم.

جرائم موروثة عن النظام البائد

طيلة سنوات الثورة السورية تعرّض السوريون لجرائم بأشكال ومنهجيات مختلفة من قبل نظام الأسد المخلوع وفروعه الأمنية ومؤسساته العسكرية والميليشيات التي جنّدها لتنفيذ جرائمه.

ويشكّل التهجير القسري الذي انتهجه النظام البائد ضدّ المناطق الثائرة بعد حصارها وخنق سكانها وقصفهم بشكل عشوائي، واحدة من أبشع الجرائم التي ارتكبها في محاولته لتغيير التركيبة السكانية في البلاد على خلفية مواقفهم المعارضة له، وما لبثت سوريا أنّ بدأت تتعافى من آثار تلك الجريمة عقب تحريرها حتى أعادت مجموعات الهجري ارتكابها مجدداً في السويداء.

وفي هذا السياق، اعتبر مدير الشبكة السورية لحقوق الإنسان فضل عبد الغني خلال حديثه لموقع الإخبارية أن مجموعات حكمت الهجري وكل من يساندها أو يشبهها هم مجموعات خارجة عن إطار الدولة، وقد انضم إليهم عدد من ضباط النظام السوري البائد، من بينهم عناصر كانوا يتبعون للمجرم عصام زهر الدين، بالإضافة إلى تجار الكبتاغون، وبالتالي فإن هذه المجموعات خارجة عن القانون ويجب ملاحقتها واعتقال أفرادها وإنهاء وجودها.

وأضاف عبد الغني: “ما شهدناه اليوم هو مجزرة مروّعة ذات طابع انتقامي ارتكبتها مجموعات الهجري بحق أبناء العشائر في محافظة السويداء، ويمكن تصنيفها على أنها جريمة جماعية ترسل رسائل تهديد واضحة لأبناء البدو بأنهم عرضة للتطهير، ما يثير الخوف في نفوسهم ويدفعهم إلى النزوح”.

وأكد عبد الغني أن الشبكة السورية لحقوق الإنسان رصدت حركة نزوح كبيرة لعائلات بدوية من السويداء خشية من عمليات انتقامية متصاعدة، مضيفاً “ما جرى هو دون شك جريمة مروعة واعتداءات فظيعة ارتكبت بحق البدو، وهي من تنفيذ مجموعات غير شرعية تعمل خارج سلطة الدولة، ويتوجب على الحكومة السورية التحرك بشكل عاجل وإصدار مذكرات توقيف بحق حكمت الهجري وكل من تورط معه في ارتكاب هذه الانتهاكات”.

الهجري مسؤول عن جرائم التطهير العرقي

حمّل عبد الغني حكمت الهجري والمجموعات التي يتزعمها المسؤولية الكاملة لحالة الفوضى الأمنية التي تعيشها محافظة السويداء، خاصة بعد أن أبدت الدولة السورية استعدادها للتعاون من أجل حقن الدماء واستعادة الأمن، إلا أن الهجري والمقاتلين التابعين له أفشلوا كل المبادرات السلمية.

وعلّق مدير الشبكة السورية لحقوق الإنسان على ادعاء الهجري بتعرض أبناء السويداء لانتهاكات خلال الأيام الماضية بالقول: “إن وقعت أي انتهاكات من قبل قوات الأمن أو الجيش أو حتى من بعض أفراد العشائر البدوية، فإن ذلك لا يبرر على الإطلاق ارتكاب انتهاكات مضادة”.

وأضاف: “العدالة والقانون فوق الجميع، وجميع الأطراف يجب أن تخضع للتحقيق والمحاسبة من قبل الحكومة السورية التي تعهدت في عدة مناسبات بمحاسبة مرتكبي الانتهاكات وتشكيل لجان لتقصي الحقائق”.

ووجه عبد الغني في ختام حديثه لموقع الإخبارية رسالتين، الأولى دعا فيها المجتمع الدولي ومنظمات حقوق الإنسان إلى ضرورة التحرك الفوري لحماية المدنيين في السويداء، وخاصة أبناء العشائر الذين يتعرضون لتمييز وعنصرية وتهجير قسري على يد ميليشيات طائفية مسلّحة.

والرسالة الثانية إلى الضحايا من أبناء العشائر في السويداء، أكد فيها تضامنه الكامل معهم ووقوفه إلى جانبهم، ودعاهم إلى توثيق كل الانتهاكات التي يتعرضون لها فهذه الجرائم لن تسقط بالتقادم ويجب أن تصل إلى القضاء عاجلاً أم آجلاً.

تفعيل مبدأ “مسؤولية الحماية”

من جانبه، طالب المحامي والناشط الحقوقي ساطع ياسين خلال حديثه لموقع الإخبارية المجتمع الدولي بتحمل مسؤولياته إزاء ما يجري في جنوب البلاد، داعياً إلى ضرورة تفعيل مبدأ مسؤولية الحماية وإحالة ملف الانتهاكات في السويداء إلى المحكمة الجنائية الدولية، وفرض عقوبات على الداعمين الخارجيين للمجموعات الخارجة عن القانون وعلى رأسها إسرائيل، التي تُعدّ تدخلاتها المباشرة في الشأن السوري جريمة عدوان موصوفة وانتهاكاً صريحاً لسيادة الدولة.

وتابع ياسين: “إن ترك تلك المجموعات دون ردع قانوني سيمنح الشرعية لتنظيمات انفصالية أخرى كي تتبنى ذات السلوك كما تفعل بعض القوى في الشرق السوري، مما يفتح الباب أمام مشاريع خطيرة لتقسيم البلاد إلى كانتونات طائفية”، مضيفاً أنّ التقارير الصادرة عن حالات التهجير القسري والمجازر التي شهدتها محافظة السويداء تفرض على المجتمع الدولي التحرك، وإحالة الملف إلى المحكمة الجنائية الدولية، ومحاكمة المسؤولين عن جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية.

وحذّر ياسين من خطورة ترك المجموعات الخارجة عن القانون دون محاسبة، مشدداً على أن ذلك قد يشجع تنظيمات انفصالية أخرى على ارتكاب انتهاكات مشابهة، ولا سيما في المناطق الشرقية من البلاد، حسب تعبيره.

ويرى الناشط الحقوقي أن المجتمع الدولي ملزم بإرسال بعثات تحقيق دولية لتوثيق الانتهاكات، ويجب أن يتعاون المجلس العسكري في السويداء مع هذه البعثات، وأن يؤكد المجتمع الدولي دعمه لسيادة الدولة السورية ورفضه لأي مشاريع انفصالية أو تدخلات خارجية، وعلى رأسها التدخل الإسرائيلي.

تقاطع مصالح بين الهجري ونتنياهو

وفيما يتعلق بمصلحة إسرائيل في دعم الهجري، فإن الأمر لا ينفصل عن الوضع الداخلي المتأزم في إسرائيل، حيث يحاول رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو الهروب من أزماته الداخلية، خاصةً المحاكمات التي تنتظره، من خلال محاولة إشعال الأزمات الإقليمية وإطالة أمدها، وفق ما قال ياسين في حديثه لموقع الإخبارية.

وأضاف: “من بين أهداف إسرائيل الرئيسية تقويض الحكم المركزي في سوريا ومنع عودة الجيش السوري إلى الجنوب، حيث تعتبر وجود الجيش تهديدا مباشرا لأمنها، وكذلك تحاول إسرائيل تبرير تدخلها من خلال ادعاءات حماية الدروز، رغم رفض معظم المرجعيات الوطنية لهذا الخطاب”ز

وتابع بالقول: “يعمل الاحتلال الإسرائيلي على إضعاف الدولة السورية سياسياً واقتصادياً من خلال تغذية النزاعات الداخلية وتأجيج الفتن واستهداف رموز السيادة الوطنية، بما في ذلك القصف الذي طال مبنى الأركان في العاصمة دمشق”.

ومن وجهة نظر ياسين، فإن محاولة الاحتلال الإسرائيلي تقويض الدور الإقليمي والدولي لسوريا، تهدف إلى منع دمشق من استعادة مكانتها السياسية والدبلوماسية، خاصةً بعد الجهود الحثيثة التي تبذلها الدولة السورية لإعادة تموضعها في الإطار الدولي، وأنّ  المشروع الإسرائيلي لا ينفصل عن طموحات أكبر لإعادة تشكيل الخريطة الجيوسياسية للمنطقة عبر دعم الميليشيات وخلق الفوضى وتمرير أجندات انفصالية تهدد وحدة سوريا واستقرارها.

وحول مصلحة الهجري من استمرار حالة الفوضى في السويداء، قال ياسين: إنّ كل متزعمي الميليشيات والمجموعات الخارجة عن القانون والمتورطة بارتكاب جرائم حرب وانتهاكات ضد حقوق الإنسان يعملون لإنماء حالات الفوضى والصراع، لأن حالة الاستقرار ستؤدي لمساءلتهم قضائياً وسينالون العقاب اللازم وفق القوانين والتشريعات.

تدخل الدولة

انطلاقاً من مسؤوليتها الدستورية والأخلاقية، تدخلت خلال الأيام الماضية وحدات من الجيش العربي السوري والقوى الأمنية بشكل محدود ومدروس لاحتواء الموقف في مدينة السويداء ومنع تمدد الاشتباكات إلى مناطق مدنية مأهولة.

وتمكّنت الدولة خلال يومين من تنفيذ عمليات مركّزة ضد المجموعات الخارجة عن القانون، أفضت إلى تفكيك بنيتها الأساسية ومصادرة كميات من الأسلحة وفرض طوق أمني حول المناطق الساخنة للحد من سفك الدماء.

وخرجت يوم أمس مظاهرات ووقفات احتجاجية في محافظات عدة رافضة للغارات الجوية التي شنّها الاحتلال الإسرائيلي على الأراضي السورية، ومؤكدة على دعم وحدات الجيش التي كانت تخوض فيه معارك في السويداء لملاحقة مجموعات خارجة عن القانون.

وأدانت عدة دول عربية وأوروبية الاعتداءات الإسرائيلية على الأراضي السورية التي كان آخرها غارات غير مسبوقة استهدفت مبنى وزارة الدفاع والقصر الرئاسي وسط العاصمة دمشق يوم أمس، وأسفرت عن استشهاد عدد من المدنيين وإصابة العشرات؛ بينهم نساء وأطفال.

 التوتر في السويداء

وتعود موجة التوتر الحالية التي تشهدها السويداء إلى قبل نحو أسبوع، إذ بدأت اشتباكات بين مجموعات محلية خارجة عن القانون وبعض العشائر العربية إثر حوادث خطف متبادل على طريق دمشق – السويداء، ما أدى إلى تصاعد سريع في وتيرة العنف ووقوع قتلى وجرحى من الطرفين.

وعلى الرغم من التزام الدولة باتفاقات التهدئة السابقة وتدخلها لحل الخلافات عبر الوجهاء وشيوخ العقل، أقدمت مجموعات الهجري على مهاجمة مواقع للجيش والأمن، ونفّذت كمائن غادرة أسفرت عن استشهاد وإصابة أفراد الوحدات التابعة لوزارتي الدفاع والداخلية.