سجّلت الليرة السورية تحسناً لافتاً في قيمتها أمام العملات الأجنبية في السوق المحلية، في تحرك وصفه اقتصاديون بأنّه الأبرز منذ بداية العام، وسط مؤشرات متسارعة على انفتاح دولي متزايد تجاه دمشق وتراجع تدريجي في حدة العقوبات الغربية.
تطورات سياسية ومؤشرات انفتاح
بحسب النشرة الرسمية الصادرة عن مصرف سورية المركزي اليوم، 13 أيار، تراجع سعر الدولار إلى 11 ألف ليرة للشراء و11 ألفاً و110 ليرة للمبيع، مقارنة بـ12 ألفاً ليرة للشراء و12 ألفاً و120 ليرة للمبيع في نشرة يوم أمس، أي بانخفاض تجاوز 8% خلال 24 ساعة.
ويرى محللون اقتصاديون أنّ هذا التحسّن في سعر الصرف يرتبط مباشرة بجملة تطورات سياسية واقتصادية تُعزّز الثقة الدولية بسوريا، وعلى رأسها التصريحات الأخيرة للرّئيس الأميركي دونالد ترامب بشأن إعطاء سوريا “فرصة بداية جديدة”، ما أعاد الحديث عن احتمال تخفيف العقوبات الأميركية المفروضة سابقاً.
وفي هذا السياق، اعتبر الخبير الاقتصادي عبد العظيم المغربل أنّ “التحسّن في سعر صرف الليرة السورية جاء نتيجة تفاعل الأسواق مع إشارات قوية على انفتاح دولي متزايد تجاه دمشق، أبرزها زيارة الرّئيس الشرع إلى فرنسا كأول محطة أوروبية، وزيارته إلى البحرين، وما تبعها من تصريحات رسمية، فضلاً عن بدء تخفيف العقوبات الأوروبية والبريطانية خلال الأيام الماضية، وعودة التعاون مع صندوق النقد الدولي”.
وأشار المغربل إلى أنّ هذه التطوّرات السياسية ترافقها سياسات نقدية جديدة من قبل مصرف سورية المركزي، تعتمد على ضبط السعر الرّسمي ومنح مرونة أكبر للسوق، ما أسهم في تعزيز الثقة بالعملة الوطنية، ولو بشكل مؤقت، مؤكداً أنّ التحسّن “لا يعكس في الوقت الحالي تحسناً فعلياً في البنية الاقتصادية الداخلية أو ارتفاعاً في الإنتاج المحلي”.
عوامل نفسية وليست اقتصادية
من جانبه، أشار المحلل والباحث الاقتصادي غسان القضماني إلى أنّ السوق المحلية شهدت خلال الساعات الماضية تحسناً ملحوظاً في سعر صرف الليرة مقابل الدولار، تزامناً مع تداول أخبار عن احتمال تخفيف العقوبات الأميركية، في ضوء تغيّرات سياسية مفترضة بعد استلام حكومة جديدة.
وأوضح القضماني أنّ “أسواق صرف العملات تعتمد بدرجة كبيرة على العوامل النفسية والسياسية أكثر من المعطيات الاقتصادية الواقعية”، مضيفاً أن تداول أخبار إيجابية، كرفع العقوبات أو الاستقرار السياسي، غالباً ما يؤدي إلى استجابة فورية في السوق الموازية، حتى قبل أن تتحقق على أرض الواقع.
ونوّه إلى أنّ العقوبات الأميركية كانت أحد أبرز الأسباب التي عزلت الاقتصاد السوري ومنعت تدفق العملات الأجنبية، ومع انتشار أخبار تخفيف القيود، توقّع المتعاملون والمضاربون زيادة المعروض من الدولار مستقبلاً عبر التحويلات الخارجية، أو عودة المستثمرين، أو توسع التبادل التجاري مع الخارج، ما دفع إلى انخفاض الطلب الفوري على الدولار ورفع الثقة المؤقتة بالليرة.
وشدّد على أنّ هذا الارتفاع في سعر الصرف ليس ناتجاً عن تحسّن فعلي في البنية الاقتصادية، بل يأتي في إطار تحرك نفسي ومضاربي قد يكون مؤقتاً، ولا سيما في ظل غياب مؤشرات إنتاجية داخلية، كما أشار إلى احتمال حدوث موجة تصحيحية سريعة إذا لم تُترجم التوقعات الحالية إلى قرارات رسمية ملموسة.
انعكاسات رفع العقوبات محلياً ودولياً
ويرى القضماني أنّ رفع العقوبات، في حال تم تثبيته بشكل رسمي وجزئي، قد يُحدث تغييرات بُنيوية في مسار الاقتصاد السوري، تبدأ بتحسين قدرة الليرة على الصمود، من خلال تدفّق العملات الأجنبية بشكل أكثر سلاسة، سواء عبر الحوالات أو القنوات التجارية، ما يخفف الضغط على السوق الموازية.
كما يتيح تخفيف القيود للمصارف السورية استعادة جزء من دورها، عبر إعادة الربط الجزئي بالنظام المالي العالمي، ما يُسهم في تسهيل التحويلات والمعاملات، ويُعزّز الثقة بالنظام المصرفي المحلي، ويمهّد الطريق أمام إدماج سوريا مجدداً في الاقتصاد الدولي.
وبفعل إزالة العوائق أمام الاستيراد والتمويل، قد تنخفض تكاليف دخول المواد الأولية والسلع إلى الأسواق، الأمر الذي ينعكس إيجاباً على وفرة السلع والأسعار المحلية، ويُسهم في كبح التضخم.
كذلك، فإنّ انفتاح السوق السورية أمام رؤوس أموال جديدة قد يشجّع مستثمرين من الداخل والخارج على ضخ استثمارات في قطّاعات حيوية، كالصناعة والزراعة والسياحة والبنية التحتية، الأمر الذي من شأنه أن يحرّك عجلة الإنتاج ويُوفّر فرص عمل.
ويرى القضماني أنّ تحسّن الأوضاع المالية قد ينعكس أيضاً على مستوى الخدمات العامة، إذ يمكن للدولة أن تستأنف برامج تنموية كانت متوقّفة أو محدودة، بدعم من المانحين والمؤسّسات الدولية، ما ينعكس على جودة خدمات الصحة والتعليم والمياه والطاقة.
مسار قابل للتحول أو الانتكاس
مع ذلك، يؤكّد القضماني أنّ هذا المسار يظل هشاً وقابلاً للانتكاس في حال لم يُستكمل برؤية اقتصادية واضحة وإصلاحات داخلية تُعزّز قدرة البلاد على الاستفادة من الانفتاح الخارجي، محذراً من الإفراط في التفاؤل قبل ظهور نتائج فعلية ومستدامة على الأرض.
ويعكس تحسّن سعر صرف الليرة في هذا التوقيت إشارات مشجعة على بدء مرحلة جديدة من الانفتاح والتخفيف التدريجي للعقوبات، ما يمنح الاقتصاد السوري فرصة لالتقاط أنفاسه واستعادة التوازن، ومع اقتران هذه المؤشرات بخطوات تنفيذية على الأرض، تكون البلاد على أعتاب تحوّل اقتصادي فعلي يمهّد لعودة الاستقرار والنمو تدريجياً.