الجمعة 9 ذو الحجة 1446 هـ – 6 يونيو 2025
دمشق
Weather
°18.9

وزير النقل للإخبارية: نُعيد بناء قطاع النقل وفق رؤية تشاركية بعد عقود من الإهمال والتخريب

يعرب بدر

أكّد وزير النقل الدكتور يعرب بدر، الإثنين 2 حزيران، أن قطاع النقل يعاني من تدهور حاد في البنية التحتية نتيجة الإهمال المتعمّد من قِبل النظام البائد، مشيراً إلى أن الوزارة بدأت العمل على إعادة تأهيل هذا القطاع الحيوي وفق رؤية قائمة على تحديد الأولويات وإشراك القطاع الخاص.

وقال الوزير بدر في أول ظهور له على شاشة الإخبارية، إن التحديات الراهنة تشمل النقص في الكوادر المؤهلة وضعف التمويل وتراكم الأعطال الناجمة عن سنوات طويلة من التهميش والتخريب.

سوريا خسرت جزءاً من شبكة السكك

وأضاف: “لقد خسرت سوريا جزءاً كبيراً من شبكة السكك الحديدية وتضررت شبكات الطرق العامة بشكل خطير نتيجة غياب الصيانة خلال المرحلة الماضية، ما يتطلب جهداً كبيرا لاستعادة هذه المرافق.

وأوضح أن خطة الوزارة اليوم تتركز على محورين أساسيين، الأول يتمثل في تشخيص الواقع وتحديد الأولويات حسب الأهمية، والثاني هو إشراك القطاع الخاص في إعادة التأهيل ضمن صيغ تشاركية معتمدة، مؤكداً أن الحكومة تخطط وتنظّم، والقطاع الخاص ينفّذ ويستثمر.

وأشار الوزير بدر إلى أن هناك حالات لن يكون فيها من المجدي الاعتماد على القطاع الخاص، ما يستدعي تدخلاً مباشراً من الحكومة لضمان إنعاش المرافق الإستراتيجية وضمان استمرارية الخدمة للمواطنين.

وقال: “نحن نُدرك حجم التحديات، لكننا نمتلك الإرادة، ونُعوّل على التعاون بين مكونات الدولة والمجتمع، من أجل بناء منظومة نقل تليق بتضحيات السوريين وتواكب تطلعاتهم.

اهتمام دولي وإقليمي بمشاريع إستراتيجية

وأكد الدكتور بدر أن قطاع النقل يشهد في هذه الأيام اهتماماً متزايداً من المستثمرين السوريين في الداخل والخارج، إلى جانب جهات تمويلية دولية كبرى، وذلك في ظل حالة الانفتاح الاقتصادي التي تشهدها البلاد بعد مرحلة الاستقرار السياسي.

وأوضح أن الوزارة استقبلت وفوداً عدة من مستثمرين سوريين أبدوا استعدادهم للدخول في مشاريع حيوية تشمل خدمات النقل الداخلي، والتاكسي الكهربائي المعتمد على الطاقة الشمسية، ومدارس تعليم القيادة، ومراكز الفحص الفني للمركبات، مؤكداً أن هذه المشاريع سريعة التنفيذ وذات جدوى محلية عالية.

وأضاف: “شهدنا أيضاً اهتماماً إقليمياً ودولياً بمشاريع استراتيجية كبرى، من بينها ربط شبكة السكك الحديدية السورية بدول الجوار، وإنشاء طرق مأجورة، واستثمارات بنظام البناء والتشغيل والنقل  (BOT)

وأشار الوزير إلى أن مؤسسات تمويل دولية بارزة أبدت رغبة في التعاون مع سوريا، في مقدّمتها البنك الدولي، الذي يدرس إمكانية تمويل مشاريع السكك الحديدية، مؤسسة IFC  التمويل الدولية التي تستعد لعقد اجتماع فني لبحث المساهمة في دراسات الجدوى وإجراءات الطرح الاستثماري.

ولفت إلى عودة التواصل مع البنك الإسلامي للتنمية، حيث يُعقد خلال اليومين المقبلين اجتماع تقني لبحث فرص التعاون، إضافة إلى اهتمام الاتحاد الدولي للنقل الطرقي بتوقيع مذكرة تفاهم تهدف إلى تطوير قطاع نقل البضائع.

وأشار إلى أن البيئة الاستثمارية في سوريا أصبحت أكثر وضوحاً واستقراراً، ما يجعل من قطاع النقل منصة واعدة للشراكة بين الدولة والمستثمرين الجادين.

تهيئة بيئة استثمارية للنهوض بقطاع النقل

وقال الدكتور يعرب بدر، إن الحكومة لا تسعى إلى الاستدانة لتمويل مشاريع النقل، مشدداً على أن الاستراتيجية الحالية تركز على جذب استثمارات وشراكات نوعية دون تحميل الدولة أو المواطن أعباء مالية جديدة.

وتابع: “الحكومة تعمل على خلق بيئة استثمارية تنافسية وشفافة، تكون قادرة على استقطاب الشركات الكبرى، والوزارة لا تبحث عن قروض تثقل كاهل البلاد، بل تطلب دعماً فنياً من المؤسسات الدولية، بهدف وضع أسس واضحة وعادلة للاستثمار.

وأشار إلى أن الإصلاح الشامل في قطاعي نقل الركاب والبضائع يشكل أولوية عاجلة قبل التوجه نحو المشاريع الكبرى، مثل السكك الحديدية والمترو والمراكز اللوجستية.

إطار تشريعي للتنظيم والإشراف

وأوضح أن الوزارة تعمل حالياً على إعداد إطار تشريعي جديد يحدّد دور الدولة في التنظيم والإشراف، ويتيح للقطاع الخاص مجالاً للاستثمار ضمن بيئة رقمية متكاملة، مؤكداً أن التشريعات الجديدة ستوفر معايير دقيقة وواضحة للترخيص والتشغيل.

وفي معرض حديثه عن التحديات، لفت الوزير بدر إلى وجود ثلاثة مستويات رئيسية من الصعوبات؛ أولا على المستوى التنظيمي فقد ورثنا منظومة إدارية تقليدية من النظام البائد، ولا تزال بعض التعديلات الموروثة غير متوافقة مع البيئة التشريعية الراهنة، ونعمل بالتنسيق مع وزارة التنمية الإدارية لإعادة هيكلتها بما ينسجم مع القانون.

وأوضح أن الصعوبة الثانية تشمل الجانب التمويلي، إذ نواجه صعوبات واضحة، لكننا نخفّف من آثارها بالاعتماد على القطاع الخاص وتوسيع آفاق الاستثمار.

والجانب الثالث يتعلق بالأمور الفنية، فهناك نقص في الكوادر الفنية المؤهلة، وقد بدأنا سلسلة من الدورات التدريبية، أولها نظّم في 8 أيار 2025، لتأهيل العاملين على استخدام التكنولوجيا الرقمية في تنظيم عمليات نقل البضائع، وستتواصل هذه الجهود بعد عطلة العيد.

آليات جديدة لتجاوز البيروقراطية

وكشف الوزير عن آليات عمل جديدة ومكثفة تعتمدها الوزارة لتجاوز العقبات الإدارية والتنسيق مع مختلف الوزارات، في ظل نظام العمل الرئاسي القائم حالياً، مؤكدا أنّ الحكومة لا تملك ترف الوقت، وتعمل بأسلوب مرن وفعال بعيدا عن البيروقراطية التقليدية.

وقال: “تمت الاستعاضة عن نمط مجلس الوزراء التقليدي باجتماعات ثنائية مباشرة مع الوزارات المعنية، وعلى سبيل المثال اجتمعنا مع سيادة الرئيس أحمد الشرع وطرحنا الصعوبات والرؤى، وتلقينا توجيهات مباشرة وبدأنا بترجمتها إلى مصفوفة تنفيذية يتم تحديثها باستمرار”.

وبيّن أن الوزارة عقدت اجتماعات تنسيقية مع عدد من الوزارات والهيئات الحكومية بهدف حلحلة التشابكات القطاعية، أبرزها وزارة التنمية الإدارية بهدف تطوير الهيكلة الإدارية، ووزارة الداخلية لمعالجة ملفات إجازات السوق، ووزارة المالية وذلك لتنسيق الرسوم المرتبطة بالنقل، بالإضافة للهيئة العامة للمنافذ البرية والبحرية بهدف تنظيم العمل على المعابر الحدودية.

وأشار إلى وجود اجتماعات مقبلة مع وزارات الإدارة المحلية، والأشغال العامة والاقتصاد والصناعة، والعمل اليوم يتم على أعلى درجات التفاعل على سبيل المثال، طلبنا من وزارة الاتصالات تحسين شبكة إلكترونية خاصة بالنقل، فقد أرسلت صورة عن الطلب عبر “الواتساب” لمعالي الوزير، وخلال ساعات تم التنفيذ قبل وصول الكتاب الرسمي.

نموذج عمل استباقي بين واشنطن ودبي

وأوضح الوزير بدر أن التنسيق الحكومي لم يعد مقيداً بالمراسلات الرسمية وحدها، بل يتم بشكل مباشر وفوري، وقال إن وزير المالية شارك في واشنطن بحضور اجتماعات البنك الدولي، وتواصلنا مباشرة حول ملفات النقل، كما تواصلت مع وزير الاقتصاد أثناء وجوده في الإمارات، وأبلغني أن شركة موانئ دبي مهتمة بالاستثمار في الخطوط الحديدية السورية، وتم التواصل مباشرة مع المدير التنفيذي للشركة.

لا تأخير في التوثيق.. والعمل أولاً

وأكد الوزير أن هذا النمط من التشبيك السريع بين الوزارات يعكس توجه الحكومة السورية الجديد، ويأتي تنفيذاً لتوجيهات سيادة الرئيس أحمد الشرع ونعمل اليوم بطريقة لا تحتمل التأخير، ولا مكان للبيروقراطية؛ نبدأ العمل فورا ويأتي التوثيق لاحقا لضبط الإجراءات وتثبيتها، وهذه الصفة لا تخص وزارة النقل فقط، بل هي سمة عامة لأداء كل وزارات الدولة.

شبكة سكك حديدية تربط الخليج بالمتوسط

وأكد أن الوزارة قطعت أشواطاً مهمة في التحضير لإعادة إطلاق المشاريع المتوقفة، ومنها مشروع تأهيل الخط الحديدي الحجازي الذي يمتد بين دمشق وعمّان، مشيراً إلى أنّ العمل يتم بجهود ذاتية وبدعم كريم من بعض الجهات الدولية التي تُنسّق معها الوزارة لتحديث الدراسات الفنية.

وأوضح أن خط السكك الحديدية الحجازي، الذي بدئ العمل به عام 1908، لا يرقى إلى مواصفات النقل السككي الحديث، لكنه لا يزال صالحاً لنقل البضائع بسرعات منخفضة، وخصوصاً خلال الليل، ما يتيح ربط العاصمة دمشق مباشرة بالمراكز الجمركية في عمّان.

وقال: “ناقشنا مع وفد غرفتي الصناعة والتجارة الأردنيتين إمكانية تشغيل الخط بشكل مشترك وبدعم من الجانبين، عبر خطة إسعافية تتضمن سحب القضبان من تفريعات غير مستخدمة بكلفة لا تتجاوز 4 ملايين دولار”.

وكشف أن الوزارة تعمل على منهج بعيد المدى يتمثل بإطلاق خط نقل سككي حديث بين دمشق والحدود الأردنية بسرعة تصل إلى 250 كم/سا، وفق خارطة معتمدة من لجنة الأمم المتحدة الاقتصادية والاجتماعية لغرب آسيا (الإسكوا).

وأشار إلى أن كلفة هذا الخط في الجانب السوري تقدّر بـ 250 مليون دولار، ولن يكون مجدياً ما لم يُدرس ضمن منظومة إقليمية تربط سوريا بدول الخليج عبر الأردن والمملكة العربية السعودية، فنحن اليوم ندافع عن هذا المشروع أمام الجهات المانحة كالبنك الدولي والبنك الإسلامي للتنمية باعتباره رافعة اقتصادية إقليمية لا مشروعا محلياً.

مترو دمشق.. وخطة للنقل الكهربائي

وفي سياق متصل، أكد الوزير أن مشروع “مترو دمشق” لا يزال ينتظر تحديث دراسة الجدوى الاقتصادية التي أعدّتها شركة سيسترا الفرنسية عام 2011 بتمويل من البنك الدولي، مشيراً إلى أن الوزارة طلبت من المانحين تحديث الدراسة فقط، لأنها أساس المشروع، ومرتبطة بمحطة الحجاز وخطوط النقل السككي الإقليمي.

وعن قطاع النقل الداخلي، أوضح الوزير أنه تم استلام 50 حافلة كهبة من بيلاروسيا وجرى توزيعها وتشغيلها في دمشق، حلب، حمص واللاذقية، ونشهد حالياً توجهاً متسارعاً من مستثمرين سوريين نحو مشاريع النقل الداخلي بالباصات، ونتائج هذه الاستثمارات ستنعكس بسرعة على المواطنين.

الربط الحكومي والسرعة في التنفيذ

وأكد وزير النقل حديثه مع الإخبارية على أن العمل الحكومي اليوم يتجاوز البيروقراطية، ويقوم على مبدأ التشبيك والتنسيق المباشر بين الوزارات، وقال: “أرسلنا طلباً لوزارة الاتصالات لتحسين إحدى الدوائر الكترونياً، وقبل أن يصل الكتاب ورقياً، تم تنفيذ الطلب خلال ساعات، وهذا نموذج يُحتذى به، ويُكرّس توجيهات السيد الرئيس أحمد الشرع بالاستجابة السريعة لمتطلبات العمل الخدمي والاقتصادي”.

النقل الداخلي أولوية بعد التحرير

وشدد في نهاية حديثه أن الوزارة تركّز اليوم في جميع حواراتها مع الجهات المانحة على ضرورة تقديم الدعم لتطوير خدمات النقل الداخلي، باعتباره من القطاعات الحيوية التي تمسّ حياة المواطن بشكل مباشر، وما تحتاجه سوريا اليوم هو دعم حقيقي لتحسين النقل الداخلي، لأنه يخدم أولاً وأخيراً المواطن العربي السوري، ويكمّل فرحته بالتحرير والانتصار.

وختم الوزير برسالة واضحة: “نعمل لخدمة المواطن، ونسعى لإعادة بناء قطاع النقل بكل مساراته، وبأعلى مستوى من الاحترافية والشراكة مع الجهات الصديقة والداعمة”.