تحل ذكرى رحيل الطفل الشهيد حمزة الخطيب في مدينة الجيزة بريف درعا بعد أربعة عشر عاما، ولا يزال حاضرا في ذاكرة السوريين كرمز لثورة شعب، كانت روحه البريئة أحد شراراتها، بعدما خضع لأبشع صنوف التعذيب على يد الأجهزة الأمنية التابعة لنظام الأسد المخلوع.
أصبح حمزة أيقونةً إنسانية وحّدت مشاعر السوريين، لتمر هذا العام ذكرى استشهاده بشكل مختلف، إذ تعمل هيئة العدالة الانتقالية بالتعاون مع الوزارات المعنية على محاسبة المجرمين وإنصاف ذوي الضحايا.
استشهاده تحت التعذيب
واعتقل فرع الأمن السياسي في درعا والذي كان يترأسه العميد عاطف نجيب في 29 نيسان 2011 الطفل حمزة الخطيب خلال مظاهرة سلمية خرجت من الجيزة إلى صيدا للمطالبة بفك الحصار عن درعا البلد، ولم يكن بحوزته سوى زجاجة ماء، ليساند بها أهله المحاصرين بالكهرباء والماء والغذاء والدواء، قبل أن يعود بعد قرابة شهر جثة محطمة تحمل كل بصمات الوحشية الطائفية المقنّعة بزيّ السلطة.
وتسلّمت عائلة الشهيد حمزة جثمانه في 24 أيار، وكانت معالم الجريمة جلية على جسده، من آثار الصعق الكهربائي في الأطراف، والضرب بالسلاسل المعدنية، والجروح القطعية والكدمات، إلى طلقات الرصاص في الذراعين، والتشويه الجنسي المتعمد بقطع عضوه التناسلي، بما يعكس أسلوبا ممنهجا في التعذيب، ويكشف خلفيات انتقام طائفي أراد تحطيم رمز الطفولة والكرامة في آن واحد.
أيقونة ثورية
وأظهر وجه حمزة المنتفخ وعيناه المتورمتان ورقبته المكسورة حجم إجرام النظام البائد ومنظومته الأمنية، وساهمت الصور المسرّبة لجثمانه في إثارة موجة غضب دفعت منظمات حقوقية إلى توثيق الجريمة، وفضح ممارسات النظام السوري بحق المدنيين، خاصة الأطفال.
عاطف نجيب وهو ابن خالة رئيس النظام السوري السابق، المسؤول الأمني الأول في درعا خلال عام 2011، رفض الإفراج عن الأطفال المعتقلين رغم مناشدات الأهالي حينها، بل زاد من حجم الانتهاكات، وأضحت جريمته بحق حمزة نموذجًا لسياساته الأمنية الدموية.
وأشعل خبر استشهاد الطفل حمزة تحت التعذيب مظاهرات غاضبة حملت صوره، وترددت هتافات تنادي بالحرية والكرامة، فيما أصدرت منظمات دولية تقارير تدين الجريمة وتطالب بمحاسبة المسؤولين عنها، في حين ظل الفاعل بلا حساب إلى حين سقوط النظام البائد، ونجاح وزارة الداخلية في الوصول إلى عاطف نجيب واعتقاله وتقديمه للعدالة.
شهادة على الجريمة
ويستذكر الناشط يوسف المصري من درعا تفاصيل تلك المرحلة، حين دعا الأهالي لفك الحصار عن المعتصمين في المسجد العمري يومي 27 و29 نيسان، وكيف انطلقت الحشود من صيدا واليادودة وغيرهما رغم الطقس الماطر والحواجز المنتشرة، ليواجهوا وابلاً من الرصاص عند ساحة 16 تشرين، حيث سقط العشرات من الشهداء، وكان من بينهم عجوزا سبعينيا وطفلا اسمه حمزة.
ويؤكد المصري أن حواجز النظام البائد قرب النعيمة وصيدا استهدفت المتظاهرين بشكل متزامن ونفذت اعتقالات بالجملة، وكان حمزة أحد المعتقلين الذي عاد جثة هامدة، ما جعل الجريمة محفورة في وجدان أبناء المحافظة، وباتت مثالًا على بطش النظام تجاه المتظاهرين السلميين.
عاطف نجيب في قبضة العدالة
بعد انتصار الثورة السورية بأقل من شهرين، نجحت قوى الأمن العام في محافظة اللاذقية في تنفيذ عملية أمنية نوعية أسفرت عن اعتقال عاطف نجيب، المتورط في ارتكاب جرائم حرب، بعد أربعة عشر عاماً من الإفلات من العقاب.
وأصدر رئيس الجمهورية العربية السورية في 17 أيار 2025 المرسوم رقم (20) القاضي بإنشاء “الهيئة الوطنية للعدالة الانتقالية”، التي وُضعت على عاتقها مهمة إنصاف الضحايا، ومحاسبة المجرمين، وكشف الحقائق المتعلقة بانتهاكات النظام البائد، وتثبيت حقوق أهالي الشهداء والمعتقلين الذين لم تزل جراحهم مفتوحة.
مسار قانوني لمحاسبة المجرمين
وقال رئيس فرع نقابة المحامين في درعا المحامي سليمان القرفان في حديثه للإخبارية إنّ “نرى في تشكيل هيئة العدالة الانتقالية خطوة أولى في تحقيق العدالة التي ينتظرها السوريون، و هي تؤسّس لمسار جاد في محاسبة مرتكبي جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية ومرتكبي كافة الانتهاكات”.
وشدد القرفان على أهمية بناء قاعدة بيانات موثقة توضع في يد المحاكم الخاصة التي ستُشكَّل لاحقاً، لتكون العدالة أداة ردع قانونية تغني عن أي انتقام فردي أو فوضى مستقبلية، وتسهم في ترسيخ الاستقرار، فيما ستكون الهيئة طرفاً فاعلاً في تعويض ذوي الضحايا، وجبر الضرر الذي لا يزال يؤلم السوريين منذ سنوات.