استفاقت بلدة تلدو في منطقة الحولة في مثل هذا اليوم قبل نحو 13 عاماً، أي بتاريخ 25 أيار من العام 2012، على واحدة من أبشع المجازر التي ارتكبتها قوات النظام البائد وميليشياته، بعد حصار استمر لـ10 ساعات وقصفها بشكل مكثف بمختلف صنوف الأسلحة.
لا ينسى أحمد الخضر وهو أحد سكان بلدة تلدو وجوه الضحايا والأطفال الذين سقطوا في مجزرة الحولة، إذ بقيت صورهم عالقة في مخيلته حتى اليوم بعد مضي 13 عاما على وقوعها.
يصف أحمد الذي كان شاهدا على المجزرة بالقول: “المشاهد مرعبة؛ فالقتل حدث عن قرب ونقلنا حينها أعدادا كبيرة من الضحايا إلى الجوامع وبينهم عشرات الأطفال”.
مأساة خلفت أكثر من 100 شهيد
يستذكر سكان البلدة الجريحة تفاصيل المجزرة التي راح ضحيتها 109 مدنيين، بينهم 49 طفلاً و32 امرأة، واستعملت فيها ميليشيات النظام البائد الأسلحة الحربية والبيضاء بمساعدة مجموعات من الشبيحة بقيادة شجاع العلي.
يعود أحمد بذاكرته إلى يوم الجمعة 25 أيار من العام 2012، إذ اعتاد الأهالي على الخروج في مظاهرات مناهضة للنظام البائد بعد صلاة الجمعة، وحملت في ذلك اليوم اسم “يا دمشق موعدنا قريب”.
يقول أحمد: “شعرنا بشيء غريب وقتها، فنحن في قلب المدينة وكانت الحواجز التابعة لقوات النظام البائد منتشرة في مناطق استراتيجية وفي المشفى بشكل يمكنهم من الإشراف على المدينة، ومراقبة الطرق المؤدية إليها”.
ويضيف: “بعد الخروج من المسجد اتجهنا إلى ساحة التظاهر، وهنا قصفت قوات النظام المكان بهدف تفريق المظاهرة، وما لبث أن تصاعد القصف وإطلاق النار من الكلية الحربية بمنطقة الوعر بحمص ومؤسسة المياه التي تحولت إلى مفرزة أمنية ومن المستشفى، ومن كل الاتجاهات إضافة إلى التغطية النارية باتجاه مكان المجزرة”.
وفي السياق، يؤكد ناجون من المجزرة أن فرقة عسكرية تتبع للنظام البائد أمنت التغطية النارية، قبل دخول مجموعات من الشبيحة واللجان الشعبية وما يعرف بالدفاع الوطني إلى المكان ولدى اقتحام الحي ظن الأهالي أنها عملية تفتيش اعتيادية، وهنا بدأت العائلات بالتجمع في كل منزل، إلا أن الغاية كانت بهدف القتل والتنكيل بالمدنيين العزل، فرائحة الدماء كانت في كل مكان، وحاول البعض التعرف على الضحايا إلا أنهم واجهوا صعوبة بسبب تشوه الجثث نتيجة عمليات القتل عن قرب”.
لجنة المراقبين الدوليين وحملة التضليل
يؤكد أحمد أن دفن الشهداء لم يحدث في اليوم الأول، إذ تواصل الأهالي مع لجنة المراقبين الدوليين وحضروا كشهود، وقبل وصولهم إلى تلدو حاول النظام ممارسة التضليل.
وبيّن أنّ اللجنة عادت ووصلت مكان المجزرة ووثقت الضحايا، وجرى دفنهم بشكل جماعي في مقبرة أعدت على عجل وعرفت باسم مقبرة شهداء مجزرة الحولة.
إعدام عائلات كاملة
وصفت منظمة “هيومن رايتس ووتش” المجزرة آنذاك بأنها “عمليات قتل جماعي في قرية تلدو بناحية الحولة”، وقالت إن قوات النظام قصفت المنطقة في ذلك اليوم، وهاجم رجال مسلحون بثياب عسكرية البيوت الواقعة على مشارف البلدة وأعدموا عائلات كاملة.
وأعلن المتحدث باسم المفوضية العليا لحقوق الإنسان روبرت كولفيل خلال مؤتمر صحفي في جنيف، أن معظم الضحايا الآخرين أُعدموا بشكل مباشر، وأكد شهود عيان من سكان المنطقة أن مسلحين من “الشبيحة” كانوا مسؤولين عن تنفيذ هذه الإعدامات الجماعية، وعائلات بأكملها قُتلت بالرصاص داخل منازلها.
وأحدثت المجزرة ردود فعل دولية غاضبةً، ما دفع دولا مثل تركيا واليابان الولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا وألمانيا وإيطاليا وإسبانيا وهولندا وسويسرا وأستراليا وكندا، إلى طرد دبلوماسيي النظام البائد.
في قبضة الأمن العام
الحكومة السورية ومنذ اللحظة الأولى عملت على ملاحقة مرتكبي المجزرة، وتمكنت قوات الأمن العام من ملاحقة المدعو شجاع العلي المعروف بـ”جزار الحولة” في 26 كانون الأول الماضي، وتحييده بعد اشتباكات عنيفة، ورفضه الاستسلام.
واستمراراً لجهود الدولة في إنصاف الضحايا، تمكنت إدارة الأمن العام مؤخراً من القبض على 5 عناصر من فلول النظام المخلوع الذين شاركوا في مجزرة الحولة وأعادوا تمثيل الجريمة.
هيئة لعدالة وأنصاف السوريين
وتحافظ الدولة على تعهدها الدائم بتحقيق العدالة ومحاسبة مرتبكي المجازر، وعززت ذلك المسار بإصدار مرسوم جمهوري لتشكيل “الهيئة الوطنية للعدالة الانتقالية” في إطار المساعي لإرساء مرحلة جديدة من العدالة الشاملة، وإنصاف الضحايا عبر آليات مستقلة تضمن المحاسبة والعدالة.
وتركز الحكومة على مبدأ أن العدالة لن تكون انتقامية، وفي هذا السياق قال رئيس هيئة العدالة الانتقالية عبد الباسط عبد اللطيف، الجمعة 23 أيار، إنه ملتزم بالعمل لكشف حقيقة الانتهاكات الجسيمة التي تسبب فيها النظام البائد.