مضى 12 عاماً على مجزرة الكيماوي التي ارتكبها النظام البائد في غوطتي دمشق الشرقية والغربية في 21 آب 2013، والذي أودى بحياة أكثر من 1400 مدني، بينهم أطفال ونساء، قضوا خنقاً دون أي مراسم وداع لائقة، فيما بقيت ذاكرة الناجين مثقلة بالموت والرعب.
المجزرة التي نفذت عبر أربع ضربات كيماوية متزامنة، اعتبرت الأكبر من نوعها في تاريخ سوريا، وأسفرت عن دمار واسع وحالة صدمة بين السوريين الثائرين ضد النظام البائد.
جهود الإنقاذ في ظل الفوضى
مع بدء الهجوم الكيماوي، هرعت فرق الإسعاف والدفاع المدني لمواجهة كارثة غير مسبوقة، وسط شح المعدات الطبية والحصار المستمر، الأطباء والمتطوعون عملوا بلا توقف، محاولين إنقاذ المصابين الذين لم يملك معظمهم وسائل حماية، في مشهد يشبه خلية نحل مزدحمة بالعمل بين البيوت والمستشفيات الميدانية، كما وصفها البعض وسط رائحة الغاز القاتل وصرخات المدنيين.
وفي مقابلة عبر قناة الإخبارية قال الطبيب أحمد البقاعي، إنه عندما ضرب نظام الأسد البائد الغوطتين الشرقية والغربية حاولنا إنقاذ ما يمكننا من مصابين رغم شح المواد الطبية والحصار والقصف المستمر على المنطقة.
وأشار البقاعي إلى أن الغوطة الشرقية بقيت لأيام كـ”خلية النحل” فعدد المصابين كبير جداً، ولكن كان المكتب الطبي الموحد البديل عن المؤسسات الطبية العائدة لنظام الأسد البائد حينها في الغوطة، حيث قدم قبل فترة دورات تدريبية للكوادر الطبية والأطباء تخص التعامل مع الغازات السامة نتيجة استخدام الكيماوي مرات سابقة في مناطق أخرى مثل مدينة جوبر بالعاصمة دمشق.
ويستذكر عضو مركز الأعيان والناجي من مجزرة زملكا محمد اللحام ليلة الهجوم الكيماوي على الغوطة خلال حديثه لموقع الإخبارية قائلاً “كنت على البلكون حين شاهدت صواريخ الكيماوي تسقط لكنها لم تنفجر”.
وتابع اللحام أنه توقع أن الصواريخ غازات سامة ليسرع لإسعاف المصابين ويشاهد مشهداً رهيباً من الجثث المنتشرة في الشوارع والمنازل وعلى أسطح الأبنية، وفق وصفه.
المشهد فوضوي ومرعب
في ليلة 21 آب 2013، تحولت شوارع الغوطة الشرقية والغربية إلى مسرح رعب، حين سقطت صواريخ كيماوية على المدنيين، أصوات الانفجارات والصرخات امتزجت برائحة الغاز القاتل، وسط مشاهد عائلات كاملة فارقت الحياة فجأة، وجثث متناثرة في المنازل والشوارع.
ويستذكر خليل الفران، ابن مدينة الغوطة الشرقية، تلك الليلة قائلاً لموقع الإخبارية “استيقظنا على القصف، وأخذت شقيقتي معها بعض القناني والخل والمناشف لمحاولة الوقاية من رائحة الغاز، دون أن نكن نعلم حينها أن الرائحة تعود لهجوم كيماوي قد يقتل الآلاف خلال دقائق”.
وأضاف الفران أن السيارات الخاصة والنقاط الطبية هرعت لإسعاف المصابين، لكن معظم الناس لم يرتدوا أقنعة أو يمتلكوا وسائل حماية، ما أدى إلى انتشار الإصابات حتى بين الكوادر الطبية في المستشفيات الميدانية.
ووصف الفران المشهد بالقول، “كان الوضع فوضوياً ومخيفاً، إذ كنا ندخل البيوت فنجد عائلات كاملة كما لو كانت نائمة، لكنها فارقت الحياة اختناقاً، والأقسى من ذلك أن بعضهم حاول المقاومة قبل أن يسقط والزبد يخرج من فمه”.
صعوبة التوثيق ودفن الشهداء
أصدرت الشبكة السورية لحقوق الإنسان اليوم، الخميس، تقريراً بمناسبة الذكرى الـ12 لمجزرة الكيماوي، موثقة فيه مقتل 1144 شخصاً اختناقاً، وإصابة نحو 5935 شخصاً بأعراض تنفسية واختناقات، نتيجة أربع هجمات بالأسلحة الكيميائية على مناطق مأهولة بالغوطة الشرقية وبلدة معضمية الشام في الغوطة الغربية، استخدم فيها ما لا يقل عن عشرة صواريخ محملة بالغازات السامة.
وفي مقابلته على قناة الإخبارية، أكد الطبيب أحمد البقاعي، أنهم كانوا يوثقون أسماء الضحايا بالاسم إن كان معروفاً عبر الاستفسار من الجيران أو مجهولاً عبر توثيقها من قبل الكاميرات ونشر الصور في المواقع الطبية في الغوطة، للاستفسار عن وجودهم لديهم أو إن كانوا قد دفنوهم، ما ساعد في توثيق نحو 1500 شهيد ونحو 10 آلاف مصاب.
ووفق شهادة خليل الفران أحد الناجين من المجزرة، فقد كانت عملية إحصاء الضحايا وتكفينهم صعبة للغاية، وأجراها عناصر الدفاع المدني الذين اضطروا لدفن الشهداء بسرعة ودون أي مراسم لائقة، بسبب استمرار القصف بالصواريخ والطيران على المستشفيات والمنازل.
وأضاف الفران، أنه” منذ 2012 وحتى آخر أيام الحصار، لم يتم تشييع أي شهيد كما يليق به، وكل عمليات الدفن كانت تتم بالسرية، وحتى اليوم، كلما تذكرت تلك اللحظة أشعر وكأني أختنق من جديد بالرائحة نفسها”.
وحول عمليات الدفن أفاد عضو مركز الأعيان والناجي من الهجوم الكيماوي محمد اللحام، أن دفن الشهداء كان عملية معقدة، شارك فيها أهالي الغوطة وعناصر الدفاع المدني، وتم توثيق الأسماء لاحقاً عبر مكتب إحصاء في بلدية زملكا، بينما بقي معظم الضحايا مجهولي الهوية أو مدفونين بشكل عاجل دون وداع لائق.
وبعد 12 عاماً على مجزرة الكيماوي في غوطتي دمشق لا تزال ذاكرة الناجين مثقلة بالصدمات والفقدان، شهادات من عاشوا الرعب مباشرة تكشف عن الفوضى والخوف والصعوبات في إنقاذ الضحايا وتوثيقهم ودفنهم.
ورغم مرور الوقت، تبقى أصوات الأطفال والنساء الذين اختنقوا في دقائق معدودة، وألم العائلات التي فقدت أحباءها، شاهداً صامتاً على واحدة من أصعب اللحظات في تاريخ سوريا الحديث، مع استمرار التساؤل عن العدالة والمحاسبة.