الأحد 26 ذو الحجة 1446 هـ – 22 حزيران 2025
دمشق
Weather
°23.4

وزارة الداخلية تكشف للإخبارية تفاصيل عملية اعتقال وسيم الأسد

المتحدث باسم وزارة الداخلية نور الدين البابا

كشف المتحدث باسم وزارة الداخلية، نور الدين البابا، اليوم السبت 21 حزيران، عن تفاصيل العملية الأمنية التي نفذتها الأجهزة المختصة، والتي استمرت لأكثر من ستة أشهر، وأسفرت عن توقيف أحد أبرز رموز النظام البائد المطلوبين بجرائم فساد وتجارة مخدرات وانتهاكات جسيمة ضد الشعب السوري.

وأكد البابا، في لقاء خاص مع قناة “الإخبارية”، أن وسيم الأسد مسؤول مباشر عن تأسيس وتوسيع تجارة الكبتاغون في سوريا، مشيراً إلى أن الوزارة أحالته إلى القضاء تمهيداً لمحاكمته محاكمة عادلة، فيما تستكمل الدولة جهودها القانونية لاسترداد الأموال المنهوبة داخل البلاد وخارجها.

تفاصيل العملية

بحسب البابا إن عملية إلقاء القبض على المجرم وسيم الأسد استغرقت قرابة ستة أشهر، بالتعاون مع جهاز الاستخبارات العامة، حيث جرى العمل وفق عدة مسارات، منها مسار الهندسة الاجتماعية، ومسار تقني، ومسار ذو طابع قانوني وحقوقي، إضافة إلى أبعاد تتعلق بالعلاقات العامة والتواصل.

وقال: “لا يمكننا الخوض في تفاصيل هذه المسارات حالياً، لكنها عملية معقدة استغرقت وقتاً وجهداً كبيرين، وشاركت فيها اختصاصات متعددة، أمنية وغير أمنية، وقد تمكّنا في النهاية من استدراجه، ثم نفذت الجهات التنفيذية المختصة في وزارة الداخلية عملية القبض عليه، واقتياده إلى السجن تمهيداً لمحاكمته محاكمة عادلة، لينال المصير الذي يستحقه”.

وأوضح أن وسيم الأسد، كما هو معروف، كان أول من زرع الكبتاغون في سوريا، وأول من بدأ بتصنيعه وتجارته، وهو معروف أيضاً بسجله الجنائي الخطير، وبسمعته السيئة، خصوصاً في مناطق الساحل السوري ودمشق.

الإجراءات القانونية

وبشأن الإجراءات القانونية التي ستُتخذ بحقه، أكد على أن وزارة الداخلية، بصفتها جهة تنفيذية، ستبدأ بالتحقيق وفق الأصول، ثم تُحال القضية بكامل أوراقها إلى القضاء ووزارة العدل.

وأضاف: “لا يمكنني الحديث نيابة عن وزارة العدل أو الخوض في التفاصيل القانونية، فهناك مختصون أقدر مني على، ولكن ما أؤكده هو أن وزارة الداخلية ستتخذ كل الإجراءات اللازمة لضمان عدم إفلات وسيم الأسد من العقاب الذي يستحقه”.

وبيّن في حديثه للإخبارية، أن جرائم وسيم الأسد ليست سياسية فحسب، بل أيضاً جنائية جسيمة بحق الشعب السوري، ففي أحد التسجيلات المتداولة، يتفاخر بأنه تم “إنهاء” أكثر من 136 ألف معتقل ومغيّب قسراً في صيدنايا، وذلك منذ عام 2019 وحتى ما قبل سقوط النظام. هذا التسجيل منتشر ومعروف على وسائل التواصل الاجتماعي، كما أن له سجلاً جنائياً حافلاً بجرائم متعددة.

وبحسب البابا فإن جهاز الاستخبارات العامة، وبالتنسيق مع وزارة الداخلية، أعد قائمة بأهم أسماء المطلوبين من رموز النظام البائد بعض الأسماء يجري العمل عليها حالياً، فيما تأجّل العمل على أخرى بانتظار اكتمال الظروف المناسبة.

وقال: أحد إخوة وسيم الأسد سبق أن تورّط في الاستيلاء على شركة “الهرم” قبل سنوات، وقد أودع حينها في سجن عدرا، إلا أنه الآن متوارٍ عن وجه العدالة. وهذا يوضح أن العائلة بأكملها تمارس الجريمة والفساد، ليس فقط من الناحية السياسية، بل أيضاً من الناحية الجنائية، وقد تسببت أفعالها بإحراج كبير للنظام البائد.

جرائمه

أما عن التهم الموجهة إلى وسيم الأسد، فوفق ما هو موثّق عليه شخصياً، فإن أبرز الجرائم التي اعترف بها تتعلق بتجارة المخدرات، والخطف القسري، والتعذيب، إضافة إلى قضايا أخرى تخص ملف المعتقلين السوريين.

وأضاف: “كما شارك في الأعمال القتالية إلى جانب ميليشيات النظام البائد ضد الشعب السوري، وهي معلومات موثقة من خلال منشوراته ونشاطه على وسائل التواصل الاجتماعي، ولا شك أن التحقيقات الموسعة ستكشف المزيد من الجرائم التي تورّط بها”.

وأكّد على أن الجرائم التي ارتكبها وسيم الأسد درّت عليه مئات الملايين من الدولارات، جنى أغلبها من تجارة المخدرات وابتزاز السوريين، وبيع مصير المعتقلين.

مصير أمواله

وفيما يتعلق بمصير الأموال والممتلكات التي بحوزته داخل سوريا أو في الخارج، قال البابا: “هذا الأمر بيد القضاء، إلا أن ما هو مؤكد أن وسيم الأسد لم يرث هذه الأموال عن والده، بل جمعها من خلال أعماله الإجرامية والفساد والتشبيح، والمشاركة في الحرب الوحشية التي شنّها بشار الأسد على الشعب السوري.

وبخصوص أمواله، قال: “من المعروف أن وسيم الأسد لديه أموال مجمّدة في الخارج، كما أنه مشمول بعقوبات دولية، وللعمل على استرداد تلك الأموال، ستقوم الجهات الحكومية المختصة في الدولة السورية بواجبها بالتنسيق مع الجهات الدولية التي جمّدت أصولاً مالية باسمه أو باسم مسؤولين آخرين من النظام البائد، إذ يُنتظر أن تبذل وزارة الخارجية الجهد الأكبر في هذا الإطار، بدعم من وزارتي العدل والداخلية، لتقديم الأدلة المطلوبة واتخاذ الإجراءات القانونية اللازمة بهذا الشأن”.

ولفت إلى أن القوانين الجاري العمل عليها تهدف إلى استعادة ما يمكن من الأموال المنهوبة من الشعب السوري خلال السنوات الماضية، والتي سُرقت على يد مسؤولين في النظام البائد، فهناك العديد من الشخصيات التي كانت جزءاً من ذلك النظام، وقد أجرت بعض التسويات سابقاً، إلا أن المرحلة الحالية تشهد توقيف أحد أبرز رموزه.

توقيفات جديدة

وحول ما إذا كنا سنشهد توقيفات جديدة بحق شخصيات فاسدة داخل الدولة، نوضح أنه في البداية، ينبغي توضيح مسألة المصطلحات، فالقول بـ “الاعتقال” قد لا يكون مناسباً، لأن هذه الكلمة ترتبط بذكريات مؤلمة لدى الشعب السوري في ظل النظام البائد. ما يجري حالياً من قبل وزارة الداخلية هو “إلقاء قبض” قانوني على مجرمين حقيقيين، تورّطوا في دماء السوريين أو في إيذائهم بشكل مباشر أو غير مباشر.

وقال أيضاً: “ما جرى من حالات تسوية في المرحلة السابقة، اقتصر على أولئك الذين لم يتورّطوا بارتكاب جرائم وانتهاكات بحق المدنيين السوريين. بعض العسكريين من جيش النظام البائد أو من أفرعه الأمنية شاركوا في معارك ضد الثوار، وقد جرى التعامل معهم على أنهم مقاتلون، وبمجرّد انتهاء المعارك، خضعوا لإجراءات تسوية مبدئية وحصلوا على بطاقات مؤقتة إلى حين استكمال دراسة أوضاعهم. ويُقدّر عدد هؤلاء بالمئات من الآلاف حرفياً”.

أما مجرمو الحرب، أوضح البابا للإخبارية أن هذه الفئة هي التي يُركّز عليها حالياً، وهم من تُحال ملفاتهم إلى القضاء، ويُمنح البحث في سجلّهم الجنائي والإجرامي أولوية مطلقة، وبناء عليه، فإن إلقاء القبض على مجرم بحجم وسيم الأسد لا يُؤثّر مطلقاً على ملف المصالحة الوطنية، بل يعزّز مساره ويعطيه مصداقية أكبر.

مشاركة أطراف عربية

وفي ما يخص الشائعات التي تحدّثت عن مشاركة أطراف عربية، وتحديداً من لبنان، في عملية إلقاء القبض على وسيم الأسد، قال: “لا يمكننا الكشف عن كل تفاصيل العملية في الوقت الراهن، لكن من المعروف أن شخصاً بحجمه، يمتلك علاقات وشبكات تتعدّى الحدود، خصوصاً في مجالات تجارة المخدرات وتبييض الأموال والسلاح، وبالتالي، من الممكن أن تكون جهات خارجية قد ساعدت أو استفادت أمنياً من توقيفه”.

وزاد القول: “لا نستطيع الجزم بمشاركة جهات بعينها، لكن المؤكد أن وسيم الأسد يشكّل “صيداً ثميناً” ليس فقط للجمهورية العربية السورية، بل أيضاً لجهات ودول أخرى تضرّرت من جرائمه العابرة للحدود”.

تأثير توقيفه

أما عن تأثير توقيفه على ملف العدالة الانتقالية، فأعتقد أن رؤية السوريين لمجرمين من أمثال وسيم الأسد خلف القضبان، وهم يُحاكمون محاكمات عادلة، ويُحاسبون لصالح الشعب السوري، ستُولّد حالة من الرضا والارتياح، وتُسهم بشكل مباشر في تعزيز السلم الأهلي.

وأشار في ختام حديثه إلى أنه حتى أبناء الساحل السوري، الذين كان وسيم الأسد يتحدث باسمهم ويدّعي تمثيلهم زوراً، يشعرون اليوم بالارتياح لتوقيفه، لأنهم أنفسهم كانوا من أبرز ضحاياه، سواء عبر الابتزاز أو التشبيح أو الاتجار بأسماء ذويهم، وبالتالي، فإن أبناء الساحل سيكونون من أكثر الفئات تعاوناً مع الدولة في ملاحقة من تبقّى من مجرمي النظام البائد، سواء من عائلة الأسد أو من العائلات المتحالفة معها.